قلنا إن الشعراء الصعاليك لم ينجوا في بعض الأحيان من التقليد الفني للشعر الجاهلي القبلي، ومن هنا نجد تلك المطالع المصرعة في بعض نماذجهم الفنية.

واستعراضنا لمجموعة شعر الصعاليك يظهرنا على طائفة من الملاحظات الطريفة:

فكل شعر أبي خراش بدون استثناء قد تخلص من التصريع تخلصا تاما. وكل شعر الأعلم بدون استثناء أيضا قد تخلص من التصريع تخلصا تاما. وكل شعر عمرو بن ذي الكلب، إذا أخذنا برواية الأصمعي في لاميته التي عرضنا لها منذ قليل، قد تخلص أيضا من التصريع تخلصا تاما.

وكل شعر الشنفرى ما عدا تائيته المفضلية، وكل شعر تأبط شرا ما عدا قافيته المفضلية، وكل شعر عروة بن الورد ما عدا رائيتين له1، وكل شعر صخر الغي ما عدا داليته2، وميميته التي قالها في رثاء ابنه3 قد تخلص من التصريع.

وكل شعر السليك، ما عدا مقطوعة واحدة في بيتين اثنين4 قد تخلص أيضا من التصريع.

وكل شعر أبي الطمحان، ما عدا مقطوعتين5 إحداهما في المدح فمن الطبيعي أن يلبس الشاعر فيها "الثياب الرسمية" التي يلبسها الشعراء المادحون حين يدخلون على من يمدحون، كل شعره ما عدا هاتين المقطوعتين قد خلا من التصريع.

وكل شعر حاجز، ما عدا ثلاث قطع6 إحداها يفتخر فيها بقومه، قد خلا من التصريع.

وحين ننظر في هذه الملاحظات فإننا نقف متسائلين أمام ظاهرة غريبة وهي انتشار التصريع -انتشارا نسبيا طبعا- في مقطوعات شعر الصعاليك وبخاصة عند حاجز. وقد يكون من المفهوم أن ينشر التصريع في القصائد الطويلة التي يحتفل لها الشاعر احتفالا فنيا خاصا، أما أن ينتشر في المقطوعات القصيرة السريعة كما رأينا في مقطوعة السليك ذات البيتين، فهنا وجه الغرابة.

لست أرى تعليلا قويا لهذه الظاهرة الغريبة إلا أحد احتمالين: إما أن يكون هذا التصريع قد جاء عفوا دون أن يقصد إليه الشعراء الصعاليك قصدا، وهو احتمال مقبول، وإما أن تكون هذه المقطوعات، بخاصة التي قيلت في موضوعات خارج دائرة الصعلكة، أجزاء من قصائد طويلة لم تصل إلينا كاملة احتفل لها أصحابها احتفالا فنيا خاصا فصرعوا في مطالعها، وهو احتمال مقبول أيضا.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015