وهكذا تمتزج الصورتان في صورة رائعة طريفة لوناها التصعلك والإسلام.
والطريف أيضا أن أبا خراش بعد أن أسلم وحسن إسلامه1، وبعد أن عاش في الإسلام عمرا طويلا امتد به حتى خلافة عمر بن الخطاب2، حين يقف على البرزخ الفاصل بين الحياة والموت، لا يأسف على شيء كما يأسف على ساقه التي نهشتها حية، والتي طالما أعانته في حياته وكان لها عليه فضل أي فضل:
لعمرك والمنايا غالبات ... على الإنسان تطلع كل نجد
لقد أهلكت حية بطن أنف ... على الأصحاب ساقا ذات فقد3
لقد أهلكت حية بطن أنف ... على الأصحاب ساقا ذات فضل
فما تركت عدوا بين بصرى ... إلى صنعاء يطلبه بذحل4
وهذه أيضا من رواسب تلك الحياة المتصعلكة التي أخلص لها أبو خراش في جاهليته إخلاصا عميقا ظلت آثاره تتسرب من حين إلى حين في شعره الإسلامي.
ولأبي خراش بعد ذلك قصيدة في سبعة أبيات يصور فيها حزنه على هجرة ابنه خراش الذي كان قد حمد الله في بعض أيام تصعلكه البعيدة على أن أنجاه له يوم قتل عروة أخوه5، وكان خراش قد هاجر في خلافة عمر وغزا مع المسلمين، وكان أبوه بطبيعة الحال في ذلك الوقت شيخا كبيرا، فهو يتحدث إلى ابنه في نهاية الأبيات حديثا تبدو فيه روح الإسلام واضحة، فليس البر أن يهاجر خراش لينال أجر الشهادة مع المجاهدين مخلفا أباه رواءه شيخا كبيرا ضعيفا في أشد الحاجة إليه، وإنما البر أن يرعى أباه الذي بلغ عنده الكبر: