بين القبائل الجاهلية إنما يرجع -من بعض جوانبه- إلى الفقر والجوع1، وما أكل ضباب الصحراء ويرابيعه وأورالها سوى مظهر من مظاهر هذا الجوع القاتل الذي كان يعانيه عرب البادية حين يجدبون وتتتابع عليهم السنين، وما كان قتل بعض العرب أولادهم خشية إملاق سوى مظهر آخر من مظاهر هذا الجوع القاتل2.

ويكثر الحديث عن الجوع في أخبار الصعاليك وشعرهم، ففي أخبار عروة أن ناسا من بني عبس أجدبوا "في سنة أصابتهم، فأهلكت أموالهم، وأصابهم جوع شديد وبؤس"، فأتوا عروة يستنجدون به، فخرج "ليغزو بهم ويصيب معاشا"3. وتنتشر في شعره وأخباره مناقشات بينه وبين صعاليكه حول الجوع الذي كان يجهدهم في غزواتهم4. ويذكر الرواة أن أبا خراش الهذلي أقفر من الزاد أياما5. ويحدثنا السليك بن السلكة في بعض شعره كيف كان يغمى عليه من الجوع في شهور الصيف حتى ليشرف على الموت والهلاك:

ومنا نلتها حتى تصعلكت حقبة ... وكدت لأسباب المنية أعرف

وحتى رأيت الجوع بالصيف ضرني ... إذا قمت تغشاني ظلال فأسدف6

ويتحدث الأعلم الهذلي عن أولاده الشعث الصغار الذين ينظرون إلى من يأتيهم من أقاربهم بشيء يأكلونه:

وذكرت أهلي بالعرا ... ء وحاجة الشعث التوالب

طور بواسطة نورين ميديا © 2015