لست لمرة إن لم أوف مرقبة ... يبدو لي الحرف منها والمقاضيب
في ذات ريد كذلق الفأس مشرفة ... طريقها سرب بالناس دعبوب
لم يبق من عرشها إلا دعامتها ... جذلان: منهدم منها ومنصوب1
ولكن أبا خراش يختلف هنا عن زملائه شعراء المراقب، فهو لم يكن وحيدا فوق مرقبته، وإنما كان معه صاحب له، وهو معني بصاحبه أكثر من عنايته بنفسه، فهو صاحب حذر قوي النفس لم يرض لها أن يكون عبدا راعيا، وإنما آثر أن يكون صعلوكا عاملا، يتربص فوق المراقب في سواد الليل، رافضا تلك الراحة البغيضة التي ينعم بها الضعفاء الذين لا خير فيهم، ممن يؤثرون النوم والدفء على العمل والكفاح:
بصاحب لا تنال الدهر غرته ... إذا افتلى الهدف القن المعازيب
بغثته بسواد الليل يرقبني ... إذ آثر النوم والدفء المناجيب2
ويمضي أبو خراش بعد ذلك مضيفا إلى صورة صاحبه خطين آخرين، فهو قائم فوق هذه المرقبة كأنه السهم، ثم هو سمح النفس على نحافته وقلة لحمه:
يظل في رأسها كأنه زلم ... من القداح به ضرس وتعقيب
سمح من القوم عريان أشاجعه ... خف النواشر منه والظنابيب3