إذا خرج رب البيت بإبله ليعشيها تبعه السليك، حتى إذا ما أخذت الشيخ سنة من النوم وقد غطى وجهه بثوبه من البرد حانت الفرصة للسليك، فاستله من ردائه فضربه فأطار رأسه، وصاح بالإبل فطردها إلى حيث ينتظره صاحباه، فطرداها معه1، حتى إذا ما اطمأنوا فرغ السليك لفنه مسجلا هذه المغامرة في هذه المقطوعة الرائعة:
وعاشية راحت بطانا ذعرتها
... بسوط قتيل وسطها يتسيف2
كأن عليه لون برد محبر ... إذا ما أتاه صارم يتلهف3
فبات له أهل خلاء فناؤهم ... ومرت بهم طير فلم يتعيفوا4
وباتوا يظنون الظنون، وصحبتي ... إذا ما علوا نشزا أهلوا وأوجفوا5
وما نلتها حتى تصعلكت حقبة ... وكدت لأسباب المنية أعرف6
وحتى رأيت الجوع بالصيف ضرني ... إذا قمت تغشاني ظلال فأسدف7
فالشاعر الصعلوك هنا يبدأ مقطوعته من حيث انتهت مهمته الخطرة، فهو لا يذكر شيئا عن خروجه للغارة ولا عن تربصه لها، وإنما يبدأ بذكر طرده الإبل بعد أن قتل صاحبها، كأنما هو فرح بتلك الغنيمة التي أنقذته من الجوع والإشراف على الهلاك، فهو لا يرى إلا تلك الإبل التي نهبها، ثم ينتقل إلى موازنة طريفة بين طرفي الصراع: بين أصحابه الصعاليك وأهل ذلك الشيخ القتيل، أما هؤلاء فقد خلا فناؤهم من إبلهم، ولكنهم مطمئنون حتى إنهم لم يتعيفوا الطير التي مرت بهم؛ لأن خبر الغارة لما يبلغهم بعد، وأما أولئك