180. وفى مكتبة الأزهر نسخة رابعة (6885- أدب) فكان من الواجب على الأستاذ أن يرجع إلى تلك النسخ كلها حتى يستطيع تحقيق متن الكتاب [1] ، وهو يعلم أن نسخه التى اعتمد عليها «دى غوية» يختلف بعضها عن بعض اختلافا كبيرا، إلى حد جعل «دى غوية» يقول: «إنه ينبغى أن تنشر مستقلة» . والحق أن الخلاف بين النسخ اختلاف هائل ليس فى سطر أو سطرين، أو صفحة أو صفحتين، بل فى فصول وتراجم بأكملها، فامرؤ القيس، وزهير، والنابغة، والمتلمس، وطرفة، وأوس بن حجر، والمرقش الأكبر، والمرقش الأصغر، وعلقمة الفحل، وعدىّ بن زيد.
كل شاعر من هؤلاء له ترجمتان متتاليتان، كل واحدة منها تباين الأخرى فى أسلوبها ومنهجها، وتخالفها فى ترتيب عناصرها. وقد راجعت تلك التراجم فى النسخ الخطية فلا حظت أن الترجمة الأولى لكل شاعر قد خلت منهط النسخ خلوا تاما. وكنت أحسب أن هذه التراجم الثنائية ستحفز الأستاذ إلى التماس المخطوطات ليخرج الكتاب كما كتبه صاحبه غير ملفق ولا ناقص كما هو الآن. فقد تبينت أن بعض النصوص التى نقلها الأقدمون عنه لا توجد فيه. كل ذلك يثبت لنا أن طبعة ليدن لا تصلح وحدها لأن تكون أساسا لنشر الكتاب نشرا علميا يجعل القارئ على ثقة من أن الكتاب كما ألفه مؤلفه لم تعبث به أيدى الماسخين أو الناسخين. ولكن الأستاذ قد اعتمدها واتخذها إماما لطبعته. واتبعها حتى فيما لا ينبغى أن تتبع فيه.
وهناك بعض ملاحظات أخرى عنت لى فى أثناء مطالعتى رأيت أن أنبه عليها ابتغاء لوجه الحق، ورغبة فى تصحيح الكتاب ومساهمة فى رجعه إلى أصله.
وبذلك أكون قد أديت واجبى. فإنى أعتقد أنه يجب على كل قارئ للكتب القديمة أن ينشر ما يرتئيه من أخطاء ليعرفها القارئ. وينتفع بها الناشر. وبمثل هذا التعاون العلمى المنشود تخلص الكتب العربية من شوائب التحريف والتصحيف الذى منيت به على أيدى الناسخين قديما والطابعين حديثا. وقد رأيت أن لا أنثر ملاحظاتى على الكتاب نثرا، بل رأيت أن أقسمها إلى أقسام، فإن ذلك أنفع وأمتع.