عرفته وأنكرها، فقالت لقائد قطارها [1] : إذا دنا منك الراكب فاحبس، فلمّا دنا كثيّر حبس القائد القطار، فابتدرته عزّة فقالت: من الرجل؟ قال: من الناس، قالت: أقسمت، قال: كثيّر، قالت: فأين تريد فى هذه المفازة؟
قال: ذكرت عزّة (وأنا) بمصر فلم أصبر أن خرجت نحوها على الحال التى ترين، قالت: فلو أنّ عزّة لقيتك فأمرتك بالبكاء أكنت تبكى؟ قال: نعم، فنزعت عزّة اللثام (عن وجهها) وقالت: أنا عزّة، فإنّ كنت صادقا فافعل ما قلت، فأفحم، فقالت للقائد: قد قطارك، فقاده، وبقى كثيّر مكانه لا يحير ولا ينطق حتّى توارت، فلمّا فقدها سالت دموعه وأنشأ يقول [2] :
وقضّين ما قضّين ثم تركننى ... بفيفا خريم قائما أتلدّد [3]
تأطّرن حتّى قلت لسن بوارحا ... وذبن كما ذاب السّديف المسرهد [4]
(أقول لماء العين: أمعن، لعلّه ... لما لا يرى من غائب الوجد يشهد)
فلم أر مثل العين ضنّت بمائها ... علىّ ولا مثلى على الدّمع يحسد
وبين التّراقى واللهاة حرارة ... مكان الشّجى ما إن تبوح فتبرد
وعادت عزّة إلى مصر، وخرج كثيّر يريد مصر، فوافاها والناس ينصرفون عن جنازتها.