ولم يكد يسمع أن الفرزدق هم بهجاء عبد القيس، حتى انبرى له يهجوه متهما إياه بأنه مغلب، وأن من هجوه لم يدعوا معطنا يهجم عليه منه، وأنه إن هجا العبديين فلن يؤثر عليهم، فهم كالبحر يظل له صفاؤه مهما قذف فيه يقول1:
وما ترك الهاجون لي إن هجوته ... مصحا أراه في أديم الفرزدق
ولا تركوا لحما يرى فوق عظمه ... لآكله أبقوه للمتعرق2
سأكسر ما أبقوا له من عظامه ... وأنكت مخ الساق منه فأنتقي3
وإنا وما تهدي لنا إن هجوتنا ... لكالبحر مهما يلق في البحر يغرق
فامتنع الفرزدق عن هجائهم، خوفا من معرة لسانه.
كذلك اشتبك بكعب الأشقري في خراسان، حين تضاربت منافع الأزد وعبد القيس، واشتعلت الحرب بينهم، فسلط على كعب أسواط هجائه، ولم يزل به وبالأزد حتى وضع من كبريائهم وفيه يقول4:
إذا عذب الله الرجال بشعرهم ... أمنت لكعب أن يعذب بالشعر
ويقول في الأزد ساخرا منهم5:
أتتك الأزد تعثر في لحاها ... تساقط من مناخرها الجواف6
ويقول فيهم نافيا عنهم كل صفات الخير والصدق7: