قتلناهم في حربة طحنت لهم ... غداة الرزيق إذ أراد جوارا

ضممنا عليهم جانبيهم بصادق ... من الطعن ما دام النهار نهارا

فوالله لولا الله لا شيء غيره ... لعادت عليهم بالرزيق بوارا

وكل ذلك يوضح أن الشعراء الذين ساهموا في فتح خراسان واستعادتها كانوا أدق من المؤرخين الذين نقلوا وقائع الفتح إلينا. فقد رووها منظمة متوالية دون نقص أو تحريف أو تخليط. ولا غرابة في ذلك، فهم الذين صنعوها وبلوها، ومن أجل ذلك فإن أشعارهم ترتفع إلى مرتبة الوثائق الدقيقة التي يعتد بها أكثر من الروايات التاريخية التي حملها المؤرخون إلينا، فإن تلك الأشعار خالية من التناقض، بل إنها تصحح بعض الأوهام التاريخية، وتؤكد أن الفتح إنما كان سنة اثنتين وعشرين، وأن الفتح الثاني إنما كان استرجاعا لخراسان، وتمكينا للوجود العربي بها، بعد أن نكث أهلها.

وأول ما يلقانا من شعر الغزوات الخارجية بيتان لمالك بن الريب التميمي1، الذي خرج مع سعيد بن عثمان بن عفان إلى خراسان، وغزا معه الصغد وسمرقند. ويبدو أن سعيدا تخاذل بعض التخاذل في مجابهة الصغد، وفضل الراحة على الجهاد، والصلح على الفتح، فلم تعجب سياسته مالكا، وهو الصعلوك الفتي الأبي، بل غاظته وأحنقته، فحثه على القتال حثا، ولكن يظهر أنه لم يستمع إليه، فازداد برما به، ونقمة عليه، وانبرى يعرض به تعريضا لاذعا، راميا له بالوهن، ورقة العقيدة، ونافيا إياه عن والده عثمان، صاحب الرأي السديد، والهمة العالية، والعزيمة القوية، ففيه يقول2:

ما زلت يوم الصغد ترعد واقفا ... من الجبن حتى خفت أن تنتصرا

وما كان في عثمان شيء علمته ... سوى نسله في رهطه حين ادبرا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015