وصيرها لجميل بن النعمان1، وكان الكرماني يسعى للزعامة بكل الوسائل، حتى ليقال فيه: "إنه لو لم يقدر على السلطان والملك إلا بالنصرانية واليهودية، لتنصر وتهود"2. فجعل يتربص بنصر، فهاجت المضرية، وألحت على نصر أن ينفيه أو يعتقله أو يقتله3، فلم يمتثل لعواطفها الملتهبة، بل هدأ من غضبها، وتركه طليقا، حتى لا يتضاعف الموقف توترا وتفجرا، ثم إنه قبض عليه وحبسه، حين توثق من أنه يترصد له، ويذيع في الأزد أنه كان يخطط منذ زمن طويل للثورة على بني أمية، وأن غايته من طاعتهم أن يكبر ولداه ويقلدا السيوف، فيطلب بثأر المهالبة منهم4. ففر بعد وقت قصير من حبسه، ومضى يستثير الأزد. حتى إذا تكاثروا انتحى بهم في مرج نوش، فقال خلف بن خليفة البكري5:
أصحروا للمرج أجلى للعمى ... فلقد أصحر أصحاب السرب6
إن مرج الأزد مرج واسع ... تستوي الأقدام فيه والركب
ومن غريب الأمر أن يؤلب هذا الشاعر البكري الأزد على الوثوب بنصر، وهو نفسه الذي دعا قبل عشر سنوات إلى ضرورة تضامن العرب من القبائل المختلفة وترابطهم، من أجل حماية الوجود العربي بخراسان، وفي سبيل المحافظة على الخلافة، ولكن استغرابنا سرعان ما يزول، فبكر خراسان لم تقطع صلاتها بالأزد، ولا تخلت عن أسلوب المناورة، فمن جهة ظلت تفي في هذه الفترة من الأزمة لحلفها مع الأزد، ليكون لها نصيب في السلطة إن انتصروا على مضر، ومن جهة ثانية ظلت ترقب تطور الفتنة، حتى إذا رأت أن من مصلحتها أن تتخذ قرارا بالانفصال عن الأزد، فعلت ذلك، لتحظى بغنيمة، وتفوز بحظ في الحكومة القائمة.
وخلف بن خليفة إنما يلتزم بمنهج قبيلته السياسي، ويصدر عن خطتها المرحلية،