وحصول الجهل بالدين يتخذه وسيطًا يقربه إلى الله فيعطفه عليه في قضاء حاجاته، فيكون قد أساء الظن بإفضال ربه وإنعامه وإحسانه إليه، وهذا يحدث وإن اعتقد أن الله يسمع ويرى ويملك كل شيء.
وربما تكون إساءة الظن بالله سبحانه غير ناتجة عن الغلو في المخلوق؛ كمن وصف الله عز وجل الكامل بجميع الوجوه بصفات المخلوق الناقص، قال الإمام ابن القيم: (فمن ظن به خلاف ما وصف به نفسه ووصفه به رسله، أو عطل حقائق ما وصف به نفسه، ووصفه به رسله، فقد ظن به ظن السوء).
ولعل ما يحملهم على إساءة الظن بالله جل شأنه هو: أنهم ما قدروا الله حق قدره، قال ابن القيم: (هنا أصل عظيم يكشف سر المسألة، وهو أن أعظم الذنوب عند الله إساءة الظن به، فإن المسيء به الظن قد ظن به خلاف كماله المقدس، وظن به ما يناقض أسماءه وصفاته، ولهذا توعد الله سبحانه الظانين به السوء بما لم يتوعد به غيرهم، كما قال تعالى: (وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا). فهذه إشارة لطيفة إلى السر الذي لأجله كان الشرك أكبر الكبائر عند الله، وأنه لا يغفر بغير التوبة منه، وأنه يوجب الخلود في العذاب، وأنه ليس تحريمه وقبحه لمجرد النهي عنه، بل يستحيل على الله أن يشرع لعباده عبادة إله غيره، كما يستحيل عليه ما يناقص أوصاف كماله ونعوت جلاله، وكيف يظن بالمنفرد بالربوبية