وحديثاً. فكل من أثبت لغير الله تصرفًا في الكون أو علم الغيب، أو حق التشريع والتحليل والتحريم، أو تعلق قلبه بالغير بالحب والتوكل والطاعة المطلقة، وصرف له من السجود والركوع، والطواف والنذر والذبح والدعاء والاستغاثة، إنما هو من أجل سببين رئيسين، هما:
1 - الغلو في بعض من اعتقد فيه هذه الخصائص حتى أثبت له هذه الأشياء المختصة بالله جل شأنه. وأنزل المخلوق منزلة فوق منزلته فيصرف له شيء من حقوق الله، وهذا الأمر جلي وواضح يبينه ما سبق معنا من إثبات صفة القدرة الكاملة الثابتة لله وحده لبعض المخلوقات، وإثبات صفة العلم لبعض المخلوقات، وإعطاء حق التشريع والتحليل والتحريم لغيره سبحانه، وهكذا تعلق العبادات ـ سواء كانت من الأقوال القلبية أو من الأعمال القلبية ـ لغيره سبحانه.
2 - إساءة الظن بالله جل شأنه، وذلك نتيجة عدم قدر الله حق قدره، فقاس الخالق بالمخلوقات.
والمقصود: أن هذين السببين توافقا لوقوع الناس في الشرك قديمًا وحديثاً.
وبعد أن تمت مقارنة الشرك بين القديم والحديث، فإننا نستطيع أن نصل إلى نتيجة من خلال هذا الاستعراض؛ وهي:
أ- أن الشرك الموجود في العصر الحاضر تفوق على شرك الأمم السابقة، وعلى شرك الجاهلية من حيث الكمية.
ب- ولكن الشرك الذي كان في الأمم السابقة، والذي كان في الجاهلية لدى العرب تفوق على الشرك في هذه الأمة من حيث الكيفية.