والتوسط إلى الله.
هكذا نرى في طبيعة عبادات العرب في الجاهلية أن طبيعة العبادات هي سجود وركوع وحج وطواف وذبح ونذر لغير الله، والمحبة والتوكل والطاعة، والدعاء، والخوف، والرجاء، والنية والإرادة والقصد، وغيرها من الأعمال القلبية. وهم يصرفونها لغير الله مع ملاحظة الميزتين السابقتين، وهما:
1 - يصرفونها لغير الله في حالة الرخاء دون الشدة.
2 - يصرفونها إلى الصالحين دون الطالحين ـ على زعمهم ـ لكي يشفعوا لهم ويتوسطوا لهم إلى الله، ولا يرجون من معبوداتهم فعل أي شيء استقلالاً.
ولكن لو نظرنا إلى طبيعة العبادات لدى مشركي هذه الأمة ومشركي زماننا فإننا سنرى هذه الأشياء كلها موجودة، بل زيادة عليه نجدهم قد فاقوا المشركين الأولين بخصائص، منها:
1 - يصرفونها لغير الله حتى في حال الشدة.
2 - يصرفونها لكل واحد سواء كان من الأنبياء والصالحين أو كان من الفسقة الفجرة الضالين، بل يعتبرون حصول المقصد ـ أي التجربة ـ دليلاً على جواز ذلك.
3 - يطلبون من غير الله استقلالاً؛ بدعوى وجود القدرة الكاملة لديهم، ووجود العلم المحيط لديهم بكل شيء.
يقول شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب ـ رحمه الله ـ: (اعلم أن شرك الأولين أخف من شرك أهل زماننا بأمرين:
أحدهما: أن الأولين لا يشركون ولا يدعون الملائكة والأولياء والأوثان مع الله إلا في الرخاء، وأما في الشدة فيخلصون لله الدعاء كما قال تعالى: (وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكَانَ الْإِنْسَانُ