تفهم لضاع الحق، فنحن عندنا جانبان في الواقع، جانب المدعى عليه وجانب المدعي، فلو قال قائل: إذا عملت بشهادة الأخرس أضررت بالمدعى عليه؛ لأنك حكمت عليه بما لا يتيقن، نقول: وإذا لم نقبل شهادته أضررنا بجانب المدعي فأهملنا حقه، فعندنا جانبان، كلاهما لا بد من مراعاته، فإذا فهمت إشارة الأخرس فما المانع من قبولها؟! الحقيقة أنه لا مانع، وأنه يتعين على القاضي، وعلى غير القاضي ممن حكم بين الناس أن يحكم بشهادة الأخرس إذا فهمت إشارته.
قوله: «إلا إذا أداها بخطه» فإنها تقبل؛ لأن الخط يفيد اليقين ويعمل به شرعاً، قال الله تعالى: {وَلاَ يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ فَلْيَكْتُبْ} [البقرة: 282]، وقال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «ما حق امرئ مسلم له شيء يوصي فيه يبيت ليلتين، إلا ووصيته مكتوبة عنده» (?)، وكان النبي صلّى الله عليه وسلّم يقيم بالكتابة الحجة على ملوك الكفار، فكتب إلى كسرى وقيصر والنجاشي يدعوهم إلى الله تعالى (?)، إذاً فالكتابة حجة شرعية بالقرآن والسنة، فهذا الأخرس إذا أدى شهادته بخطه نقبلها؛ لأن الخط يفيد اليقين، وهذا واضح فصار الأخرس له ثلاث مراتب:
الأولى: ألا يكون ممن تفهم إشارته ولا كتابته، فهذا لا تقبل قولاً واحداً للشك في مدلول هذه الشهادة.