الأداء إثبات الشهادة عند القاضي، فإذا تحمل الشهادة وجب عليه أن يشهد لقوله تعالى: {وَلاَ تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ} [البقرة: 283]، فحكم الله ـ عزّ وجل ـ بإثم قلب الإنسان الذي كتم، وأضاف الإثم إلى القلب؛ لأن شهادته لا يعلمها إلا الله عزّ وجل؛ إذ من الجائز أن ينكر، فلما كان إنكار الشهادة ـ وهو يعلم أنه شاهد ـ محله القلب قال: {وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ}. فلما كانت الشهادة محفوظة في القلب، والكتمان إنما يكون في القلب أضاف الله تعالى الإثم إلى القلب الذي هو محل حفظ الشهادة.
وقال بعض العلماء: أداؤها فرض كفاية، ويظهر أثر الخلاف فيما لو أشهد عشرة وتحملوا الشهادة وتحاكم مع خصمه للقاضي، فذهب إلى اثنين من العشرة وقال: إني حاكمت خصمي، فاذهبا معي لأداء الشهادة، على رأي المؤلف يتعين أن يذهبا معه، وعلى القول بأنه فرض كفاية لا يتعين، لأنهما يقولان له: اذهب إلى الثمانية الآخرين، واطلب اثنين منهم، ولكن الصحيح ما ذهب إليه المؤلف، أنه إذا دُعي إليها وجب عليه عيناً أن يشهد؛ لأننا لو قلنا بجواز أن يحوِّل الشهادة إلى الآخرين، وذهب إلى اثنين من الثمانية قالا: معنا ستة باقون، فذهب لاثنين قالا: الباقي أربعة، فذهب لاثنين فقالا: الباقي اثنان فذهب للاثنين، فقالا: ولماذا تسلطت علينا؟! فيضيع حق المسكين!
فالصواب أنه إذا تحمل ودعي وجب عليه عيناً أن يؤدي الشهادة، ولو لم يكن فيها إلا قوله تعالى: {وَلاَ تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ} [البقرة: 283].