ولا يتصور تطبيقها على النصوص الشرعية تطبيقاً تاماً، والحكم لا بد فيه من تصور القضية، ثم تصور انطباق الأدلة عليها؛ لأن الحكم على الشيء فرع عن تصوره، والحكم على الشيء لا بد فيه من معرفة الموجِب للحكم، والغضبان لا يتصور ذلك، لا القضية ولا انطباق الأحكام عليها، ولذلك نهى النبي صلّى الله عليه وسلّم أن يقضي بين اثنين وهو غضبان (?).

وأيضاً فإنه إذا كان أحد الخصمين هو الذي أثار غضب القاضي فهنا محذور ثالث، وهو أنه قد يحمله غضبه على هذا الخصم أن يحكم عليه مع أن الحق له.

وقوله: «وهو غضبان كثيراً» يفيد أنه إذا كان الغضب يسيراً في ابتدائه فلا يحرم القضاء، وقد قضى النبي صلّى الله عليه وسلّم وهو غضبان في قصة الأنصاري مع الزبير بن العوام ـ رضي الله عنه ـ في المسيل الذي تنازعا فيه عند النبي صلّى الله عليه وسلّم؛ إذ كان المسيل يأتي على حائط الزبير قبل حائط الأنصاري، فكان الزبير ـ رضي الله عنه ـ يسقي منه ويدع البقية لجاره الأنصاري، فاشتكى الأنصاري إلى الرسول صلّى الله عليه وسلّم، فترافعا إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم فقال: «اسق يا زبير، ثم أرسل الماء إلى جارك».

فقوله: «اسق» أمر مطلق يقتضي أنه يسقي زرعه مجرد سقي، ثم يرسل الماء لجاره، فقال الأنصاري ـ عفا الله عنه ـ: أن كان ابن عمتك يا رسول الله؟! فأخذته العزة بالاثم، والإنسان

طور بواسطة نورين ميديا © 2015