فأشار بقوله: {وَلاَ تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا}، بعد قوله: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَةٌ}، إلى أنه إذا لم يكن ذلك تَفرَّق الناس، وهذا واضح، فإذا لم يكن أمر بالمعروف ونهي عن المنكر، كل واحد يسلك سبيلاً، حينئذ تتفرق الأمة، ولا يجمع الأمة إلا شريعة ربها عزّ وجل، وذلك لا يكون إلا بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
ولا بد أولاً: أن تكون الأمة أو الطائفة التي يقيمها الإمام للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لها علم بأن هذا معروف وهذا منكر، وتعلم ذلك عن طريق الشرع.
ثانياً: أن يكون لديها علم بأن هذا الرجل ترك المعروف أو فعل المنكر، فإن لم تعلم فإنه لا يجوز أن تنكر لا أمراً ولا نهياً، فلو أنك رأيت رجلاً يمشي مع امرأة في السوق فقلت له: ألا تخاف الله؟ تمشي مع الحريم بالسوق! فهذا لا يسوغ ولا يجوز! اسأله أولاً: من هذه المرأة؟ ما علاقتك بها؟ فإذا قال: هذه أختي، هذه أمي، هذه بنتي، كُفْ وانتهِ، اللهم إلا أن يكون هناك قرائن قوية تخالف ما ادعاه، فهذا شيء آخر، ولهذا كان الرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ لا ينكر الشيء إلا بعد أن يعلم أنه منكر، ولما دخل رجل والنبي صلّى الله عليه وسلّم يخطب يوم الجمعة جلس، فهل قال له: قم صلِّ ركعتين؟ لا، بل قال: «أصليت؟» لأن فيه احتمالاً أنه صلى، والرسول صلّى الله عليه وسلّم ما رآه، فلما قال: لا، قال: «قم فصلِّ ركعتين» (?).