ليلة، والناس هاجرون لهم، ولا يتكلمون معهم، وفي أثناء هذه المدة جاء خطاب من ملك غسان إلى كعب بن مالك ـ فتنة عظيمة ـ قال له: إنه بلغنا أن صاحبك قد جفاك، وطلب حضوره إليه حتى يكرمه ويعزه، فلما قرأ الكتاب لم يحتفظ به، بل مباشرة جعله في التنور وأوقد به؛ لئلا تخدعه نفسه فيستجيب، فنزلت توبتهم من الله ـ عزّ وجل ـ في ليلة من الليالي وبعد خمسين ليلة، جاء الفرج من الله ـ عزّ وجل ـ الله أكبر {وَعَلَى الثَّلاَثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لاَ مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلاَّ إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ *} [التوبة: 118].
فلما أصبح النبي صلّى الله عليه وسلّم أخبر الناس بتوبة الله عليهم ـ الله أكبر ـ وكان كعب لا يصلي مع الجماعة؛ لأنه مهجور، فذهب رجل من المسلمين إلى سلع ـ جبل في المدينة معروف ـ ونادى بأعلى صوته: أبشر يا كعب بخيرِ يومٍ مَرَّ عليك منذ ولدتك أمك! أبشر بتوبة الله عليك! وذهب رجل على فرس يبشره، وانظر إلى الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ كيف فرحهم بتوبة الله تعالى على إخوانهم، وعلى أصحابهم، لكن كان صاحب الصوت أسرع، فصارت البشارة لصاحب الصوت، فأعطاه كعب بن مالك حلته، فلما جاء إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم ودخل المسجد قام إليه طلحة بن عبد الله ـ رضي الله عنه ـ يهنئه بتوبة الله عليه، قال: فكنت لا أنساها لطلحة أن كان أول الصحابة يهنئه ـ رضي الله عنهم ـ، أما النبي ـ عليه الصلاة والسلام فإنه لما رآه كعب وجد وجهه يتهلل، كأنه