قوله: «أَوْ جَحَدَ رُبُوبِيَّتَهُ» الجحد غير الشرك؛ لأن الشرك فيه إثبات لشيئين، لكن هذا جحد، قال: إن الله تعالى ليس برب، وليس للناس رب، كالشيوعيين، والدهريين، وطائفة من العلمانيين، ومن أشبههم، فهؤلاء يجحدون الرب، ويقولون كما قال سلفهم: {مَا هِيَ إِلاَّ حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلاَّ الدَّهْرُ} [الجاثية: 24] نسأل الله العافية، قد سلخ الله قلوبهم عن اليقين، وعن مشاهدة الآيات {وَمَا تُغْنِي الآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لاَ يُؤْمِنُونَ} [يونس: 101]، {وَكَأَيِّن مِنْ آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ} [يوسف:105]، وإلا كيف يمكن لعاقل أن يجحد ربوبية الله ـ عزّ وجل ـ؟! الجاحد لله جاحد لنفسه قبل أن يجحد الله؛ لأننا نقول له: من خلقك؟ هل خلقك أبوك؟! هل أبوك هو الذي خلق هذا الماء الدافق الذي يتكون منه الجنين؟! هل أمك خلقت هذه البويضات التي تحل فيها هذه الحيوانات فتكون بشراً؟! إما أن يقول: لا، وإما أن يقول: نعم، فإن قال: نعم، فنقول: في أي معمل صنعها أبوك أو أمك؟ فسينقطع، وإذا قال: لم يخلقها أبي، ولا أمي، نقول: من خلقها؟ خلقها رئيسك؟ قطعاً سيقول: لا، فمن خلقها؟ النتيجة، سيقول: الله، إلا أن يكابر فلا يجدي الكلام معه، فهذا فرعون يعلم أن الذي أنزل التوراة على موسى ـ عليه السلام ـ هو الله، ويخاطبه موسى بهذا الخطاب: {لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنْزَلَ هَؤُلاَءِ إِلاَّ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ بَصَائِرَ} [الإسراء: 102]، ولم يقل فرعون: ما علمت، بل سكت، لكن مع ذلك يقول لقومه: {أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلَى} [النازعات: 24]، وقال: