وليست الخيانة في العارية كالخيانة في الوديعة؛ لأن قابض العارية قبضها لمصلحته، وأما الوديعة فلمصلحة المالك، فمن قاسها عليها فقد أخطأ؛ لأن الفرق بينهما ظاهر، ولأننا إذا قطعنا جاحد العارية امتنع الناس من جحدها، وإذا لم نقطعهم تجرأ الناس على جحدها، وفي هذا سد لباب المعروف؛ لأن المُعير محسن، فإذا كان المعير يُجْحَد، ولا يؤخذ له حقه، إلا بالضمان فقط فإن الناس قد يمتنعون من العارية، وهي واجبة في بعض الصور، وهذا يؤدي إلى عدم القيام بهذا الواجب.
ثم نقول أيضاً: هي قسم برأسها، افرض أنها لا تدخل في السرقة لغة، فما دام فيها نص فما موقفنا أمام الله ـ عزّ وجل ـ إذا كان يوم القيامة، والرسول صلّى الله عليه وسلّم قطع بها، وقال: «لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها» (?)؟.
والإنسان حينما ينظر في الأحكام الشرعية وفي فتاويه، أو فيما يقول يجب أن ينظر أولاً كيف يقابل الله ـ عزّ وجل ـ بما قال قبل كل شيء؛ لأنه مسؤول، فالمفتي والقاضي مبلغ لرسالات الله عزّ وجل، لقول الرسول صلّى الله عليه وسلّم: «بلغوا عني» (?)، فيجب أن تعتبر نفسك مسؤولاً أمام الله عزّ وجل في كل شيء تحكم به، فلا بد أن تلاحظ سؤال الله عزّ وجل قبل كل أحد، فالصحيح المشهور من مذهب الإمام أحمد رحمه الله أن جاحد العارية يقطع، خلافاً لما ذهب إليه المؤلف؛ ولهذا كان الإمام أحمد يقول: ما أعلم شيئاً يدفعه، ماذا أقول؟!