لأن الزنا أمره عظيم، وفاحشة مدنسة للعرض، ثم إنه يخشى إذا حصلت أن تهون في نفوس المجتمع، فيؤدي ذلك إلى فساده، ولهذا فإن المنكرات إذا قل وقوعها في الناس ثم فعلت، تجد الناس يستنكرونها، وينفرون من فاعلها، فإذا فعلها آخر، وثالث، ورابع، وخامس، هانت عند الناس، ولهذا من الأمثال المضروبة: كثرة الإمساس يقل الإحساس، وهذا أمر مشاهد، كنا قبل زمان نستنكر غاية الاستنكار أن نسمع العُود والربابة، وهذه الأشياء التي هي من آلات اللهو، ولا يفعلها أحد إلا مختفياً، وفي حجرة بعيدة، أو في فلاة بعيدة من البر، وأصبحت اليوم أمراً مألوفاً؛ لأنها كثرت، وكذلك شرب الخمر، فإذا قيل: فلان شرب الخمر انتشر خبره في جميع أنحاء المملكة، ورأوا ذلك أمراً عظيماً، والآن يذكر لنا أنه هان الأمر عند بعض الناس، والعياذ بالله، كل هذا مع كثرة الوقوع، فإذا أقر إنسان بالزنا ورجمناه مثلاً، أو أقمنا عليه الجلد، فهذا ربما يسري في الناس ويتساهلون به، فلهذا احتطنا في الإقرار، فقلنا: لا بد أن يكون أربعاً، حتى إذا جاء وقال: زنيت، نقول: ما زنيت؛ لأن الرسول صلّى الله عليه وسلّم قال لماعز ـ رضي الله عنه ـ: «لعلك قبّلت، أو غمزت، أو نظرت» ولكنه يقول: إنه زنا (?).

فصار عندنا دليل من السنة، والثاني من القياس على الشهادة، والثالث الاحتياط.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015