الشَّفاعة، إما بما يراه عُذراً كآدم ونوح وإبراهيم وموسى، وإمَّا لأنه يرى أن في المقام مَنْ هو أولى منه كعيسى. وانظر كيف أَلْهَمَ اللَّهُ الناسَ أن يأتوا إلى هؤلاء؛ لأن هؤلاء الأربعة هم أولو العزم، وآدم أبو البشر خلقه الله بيده وأسجد له ملائكته، ثم انظر كيف يُلْهِمُ الله هؤلاء أن يعتذر كُلُّ واحد بما يرى أنَّه حائل بينه وبين الشفاعة، لأن الشافع لا يتقدَّم في الشَّفَاعة، وهو يرى أنه فعل ما يُخِلُّ بمقام الشَّفاعة، وهؤلاء الأربعة: آدم ونوح وإبراهيم وموسى؛ استحيوا أن يتقدَّموا في الشَّفاعة؛ لكونهم فعلوا ما يُخِلُّ بمقام الشَّفاعة في ظَنِّهم، مع أنهم قد تابوا إلى الله تعالى.
أما بالنسبة لإبراهيم عليه السلام فالذي فعله كان تأويلاً، لكن لكمال تواضعه اعتذر به. والخامس لم يذكر شيئاً يُخِلُّ بمقام الشفاعة، ولكن ذَكَرَ مَنْ هو أَولى منه في ذلك، وهو محمَّد عليه الصَّلاة والسَّلام لتتمَّ الكمالات لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم.
وهذا من المقام المحمود الذي قال الله له فيه: {وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا *} [الإسراء] هذه الدعوات. وقد ثَبَت عن النبي صلّى الله عليه وسلّم: «أن من صَلَّى عليه، ثم سأل الله له الوسيلة، فإنها تحلُّ له الشفاعة يوم القيامة» (?). فيكون مستحقًّا لها، وهذا لا شَكَّ أنه من نعمة الله سبحانه علينا وعلى الرَّسول صلّى الله عليه وسلّم. أما علينا فلِمَا ننالُه من الأجر من هذا الدُّعاء، وأما على الرَّسول صلّى الله عليه وسلّم. فلأن هذا مما يرفع ذكرَه أن تكون أمته إلى يوم القيامة تدعو الله له.