وأما الدليل النظري: فهو أنه لمَّا كان الخطأ بغير قصد من الفاعل، كان من المناسب أن يخفَّف عنه في أداء الدية، وهو يتحمل الكفَّارة وهي عتق رقبة، فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين؛ لأن الكفارة حق لله تعالى، فهي عبادة يُلزم بها المكلف، وأما الدية فهي عبارة عن غرم كغرامة الأموال، فخفِّف عن هذا القاتل الذي لم يقصد القتل بأن حُمِّلته العاقلة، وهذا ـ والله أعلم ـ هو سرُّ تعبير القرآن حيث قال تعالى: {وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ} [النساء: 92] ولم يقل: «يسلِّمها» بل قال: {مُسَلَّمَةٌ} بالبناء للمفعول؛ لأن الذي سيسلم هذه الدية هم العاقلة.
قوله: «وإن غصب حراً» هذا من باب التسامح والتساهل في العبارة؛ لأن الحر لا يغصب، حيث إن اليد لا تثبت عليه، ولا تثبت اليد إلاَّ على الأموال، والحر ليس بمالٍ، حتى لو غصب وباعه الغاصب، فلا يصح البيع، لكن العبد يغصب؛ لأنه مال، لكن المؤلف يريد أنه إذا قهر حراً.
قوله: «صغيراً» أي: لم يبلغ، ومثله المجنون؛ لأن كلاً منهما ليس له قصد، ولا يتمكن من الامتناع.
قوله: «فنهشته حية» يعني إذا أكره الحرَّ الصغيرَ، وجاء به إلى بيته، واستخدمه كرهاً، فنهشته في البيت حية، فعليه ديته؛ لعدوانه عليه بإكراهه على أن يبقى في هذا المكان.
أمَّا لو كانت الحية أمامه فالأمر ظاهر، لكن لو لم تكن أمامه، بأن جاءت من خارج البيت، ونهشت هذا الصبي، فمات فإنه