فإذا قال قائل: لو كان الوجوب باقياً لتوافرت النقول عن الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ بالوصية، مع أن الوصية بين الصحابة قليلة، فالجواب: لا شك أن هذا الاحتمال يضعف القول بالوجوب، لكن ما دام أمامنا شيء صريح من كتاب الله ـ عزّ وجل ـ فإن عدم العمل به يدل على أن من الصحابة أو أكثر الصحابة يقولون بأن الوجوب منسوخ، ونحن إنما نكلف بما يدل عليه كلام الله ـ عزّ وجل ـ.
فالصحيح أن آية الوصية محكمة، وأنه يجب العمل بها، لكن نسخ منها من كان وارثاً من هؤلاء المذكورين، فإنه لا يوصى له، وبقي من ليس بوارث.
قوله: «وهو المال الكثير» المال الكثير يُرجَع فيه إلى العرف وإلى أحوال الناس، فإذا كانت الدراهم كثيرة فالمال الكثير كثير، وإذا كان الناس عندهم قلة في المال فالقليل يكون كثيراً، حتى إن بعض الفقهاء يقول: من ملك خمسين درهماً فهو غني لا تحل له الزكاة، وفي وقتنا الحاضر الخمسون درهماً لا توجب أن يكون الإنسان غنياً؛ لأنها يمكن أن تنفد في عشرة أيام، وليس في سنة كاملة.
فالحاصل أن المال الكثير يرجع فيه إلى العرف، فقد يكون القليل كثيراً في وقت، وقد يكون الكثير قليلاً في وقت آخر.
وقوله: «وهو المال الكثير» مفهومه أنه لو ترك مالاً قليلاً لا تسن له الوصية، ودليل هذا قول النبي صلّى الله عليه وسلّم لسعد بن أبي وقاص ـ رضي الله عنه ـ: «إنك أن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم