يستشير النبي صلّى الله عليه وسلّم ماذا يصنع فيها؛ لأن الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ ينفقون مما يحبون، فأرشده إلى الوقف، وقال: «إن شئت حبست أصلها، وتصدقت بها» (?)، وفي لفظ: «احبس أصلها، وسبِّل ثمرها» (?)، وهذا أول وقف في الإسلام، وهو غير معروف في الجاهلية، بل أحدثه الإسلام، ففعل عمر ـ رضي الله عنه ـ وجعل لها مصارف نذكرها ـ إن شاء الله ـ فيما بعد.
وكان ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ إذا أعجبه شيء من ماله تصدق به، يتأول قوله تعالى: {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} [آل عمران: 92] (?).
وأبو طلحة ـ رضي الله عنه ـ لما أنزل الله هذه الآية، جاء إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وقال: يا رسول الله، إن الله أنزل: {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ}، وإن أحب مالي إليَّ «بيرحاء»، وهي اسم نخل مستقبلة مسجد الرسول صلّى الله عليه وسلّم في المدينة، وكان فيها ماء عذب طيب يأتي إليه الرسول صلّى الله عليه وسلّم ويشرب منه، وهذا لا شك أغلى شيء عند أبي طلحة، فقال: يا رسول الله ضَعْهَا حيثُ شِئْتَ، فقال الرسول صلّى الله عليه وسلّم: «بَخٍ بَخٍ، ذاك مال رابح، ذاك مال رابح، وأرى أن تجعلها في الأقربين»، فجعلها في قرابته وبني عمه (?).