مثاله: إنسان عليه عشرة آلاف، وليس عنده إلا ثمانية آلاف، فذهب يتبرع للناس، فكل من وجد تبرع له، فنقول: لا يصح التبرع، مع أنه بالغ عاقل رشيد؛ لأن المال الآن تعلق به حق الغرماء.

فظاهر كلام المؤلف أن تصرفه صحيح ولو أضر بالغرماء ولكنه آثم، وهذا هو المذهب.

واختار شيخ الإسلام ـ رحمه الله ـ أن تصرفه قبل الحجر، إن كان مضراً بالغرماء فهو غير صحيح ولا نافذ، وإن كان غير مضر فهو صحيح ونافذ، وهذا أصح؛ ووجهه أن تصرفه في ماله تصرفاً يضر الغرماء حرام ـ حتى على المذهب ـ والشيء الحرام لا يجوز أن ينفذ؛ لأن تنفيذ ما حرم الله مضادة لله ـ عزّ وجل ـ، وقال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل وإن كان مائة شرط» (?)، ولهذا سئل الإمام أحمد ـ رحمه الله ـ عن المدين، هل يتصدق أو لا؟ قال: بالشيء اليسير كالخبزة وشبهها، وأما ما يضر بالغرماء فلا يجوز، على أننا نرى أنه لا يجوز أن يتصدق ولو بالقليل ما دام عليه دين أكثر مما عنده من المال؛ لأن القليل، مع القليل كثير، فإذا قلنا تصدق ـ مثلاً ـ بدرهم على هذا الفقير، فجاء فقير آخر تصدق بدرهم وهلم جراً، فصار القليل كثيراً فالمنع أولى؛ ولأننا إذا منعناه من الصدقة، وقلنا: لا يمكن أن تتصدق، صار ذلك أشحذ لهمته في وفاء دينه؛ لأن الإنسان قد لا يحتمل أن يبقى لا يتصدق.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015