فإن أمر بمعصية فإنه لا طاعة له؛ لأنه هو نفسه عبد لله مأمور لله، فكيف يأمر بما يخالف أمر الله، نقول: ربنا وربك الله، ولا طاعة لك في معصية الله أبداً، ويدل لهذا قصة السرية الذين بعثهم الرسول صلّى الله عليه وسلّم وأَمَّرَ عليهم رجلاً وأمرهم أن يطيعوا أميرهم، وفي يوم من الأيام أغضبوه فأمرهم أن يجمعوا حطباً، فقالوا: سمعاً وطاعة فجمعوا الحطب، وأمرهم أن يوقدوا فيه النار، قالوا: سمعاً وطاعة وأوقدوا النار، قال: ألقوا أنفسكم فيها، فتردد القوم؛ لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم أمرهم أن يطيعوه، ولكن لماذا آمنوا؟ آمنوا خوفاً من النار، فقال بعضهم لبعض: كيف نلقي أنفسنا في النار، ونحن إنما آمنا فراراً منها، وهذا قياس صحيح، فأبوا أن يلقوا أنفسهم في النار، فلما رجعوا إلى المدينة، وأخبروا النبي صلّى الله عليه وسلّم بهذا، قال: «لو دخلوا فيها ما خرجوا منها» (?)؛ لأنهم قتلوا أنفسهم، ومن قتل نفسه بالنار عُذِّب بها في نار جهنم؛ لأن كل من قتل نفسه بشيء فإنه يعذب به في نار جهنم (?)، فلو قتل نفسه بخنجر فإنه يوم القيامة يعذب بهذا الخنجر في نار جهنم، ولو قتل نفسه بالتردي من شاهق فإنه يخلق له في النار شاهق فيتردى منه يعذب به في نار جهنم، ومن قتل نفسه بسُمٍّ بأن تحسَّى هذا السم عُذب به في نار جهنم، ولو دخلوا النار عذبوا بها في نار جهنم