ولهذا كان نبيُّنَا صلّى الله عليه وسلّم إذا رأى ما يعجِبُه مِن الدُّنيا قال: «لبيَّكَ إنَّ العَيْشَ عَيْشُ الآخِرةِ» (?) فيقول: «لبيَّكَ» يعني: إجابةً لك، مِن أجلِ أنْ يكبَحَ جِمَاحَ النَّفْسِ؛ حتى لا تغترَّ بما شاهدت مِن مُتَعِ الدُّنيا، فَيُقبل على الله، ثم يوطِّن النَّفسَ ويقول: «إن العَيْشَ عَيْشُ الآخرة» لا عيشُ الدُّنيا. وصَدَقَ رَسُولُ الله صلّى الله عليه وسلّم، والله؛ إنَّ العيشَ عيشُ الآخِرةِ، فإنه عيشٌ دائمٌ ونعيمٌ لا تنغيصَ فيه، بخِلافِ عيشِ الدُّنيا فإنه ناقصٌ منغَّصٌ زائِلٌ.
وأما دواءُ القُلوبِ مِن أمراضِ الشُّبُهَاتِ؛ فالقُرآنُ كلُّه بيانٌ وفُرقانٌ تزولُ به جميعُ الشُّبهاتِ، فكتابُ الله كلُّه مملوءٌ بالعِلْمِ والبيانِ الذي يزولُ به داءُ الشُّبهاتِ، ومملوءٌ بالتَّرغيبِ والتَّرهيبِ الذي يَزولُ به داءُ الشَّهواتِ، ولكنَّنا في غَفْلةٍ عن هذا الكتاب العزيز؛ الذي كلُّه خيرٌ، وكذلك ما في السُّنَّةِ المطهَّرَةِ الثابتةِ عن رسولِ الله صلّى الله عليه وسلّم.
أما عافيةُ الأبدانِ، فَطِبُّهَا نوعان:
النوع الأول: طِبٌّ جاءت به الشَّريعةُ، فهو أكملُ الطِّبِّ وأوثقُهُ؛ لأنه مِن عند الله الذي خَلَقَ الأبدانَ؛ وعَلِمَ أدواءَها وأدويتَها، والطِّبُّ الذي جاءت به الشريعة ضربان:
الأول: طب مادي، كقول الله تعالى في «النحل»: {يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ} [النحل: 69] وكقول النَّبيِّ صلّى الله عليه وسلّم في الحَبَّةِ السَّوداءِ «إنها شفاء من كل داء إلا السام» (?)