وإلا إذا لم يحصل التفرد فإطلاق الوصفين معا على الحديث يكون باعتبار إسنادين:
أحدهما صحيح، والآخر حسن.
وعلى هذا فما قيل فيه: "حسن صحيح" فوق ما قيل فيه: "صحيح" فقط -إذا كان فردا- لأن كثرة الطرق تقوي).
والوجه الثاني عند الحافظ وارد عليه إشكال فيما يقول فيه الترمذي: حسن صحيح لا نعرفه إلا من هذا الوجه. قال الحافظ الذهبي في "الموقظة" (ص: 29) فقال: (وقول الترمذي: (هذا حديث حسن، صحيح) عليه إشكال: بأن الحسن قاصر عن الصحيح، ففي الجمع بين السمتين لحديث واحد مجاذبة! وأجيب عن هذا بشيء لا ينهض أبدا، وهو أن ذلك راجع إلى الإسناد: فيكون قد روي بإسناد حسن، وبإسناد صحيح. وحينئذ لو قيل: (حسن، صحيح، لا نعرفه إلا من هذا الوجه)، لبطل هذا الجواب! وحقيقة ذلك - أن لو كان كذلك - أن يقال: (حديث حسن وصحيح). فكيف العمل في حديث يقول فيه: (حسن، صحيح، لا نعرفه إلا من هذا الوجه)؟ فهذا يبطل قول من قال: أن يكون ذلك بإسنادين).
واعلم أن اختلاف العلماء في بيان مراد الإمام الترمذي بهذه الاصطلاحات وهذا الاختلاف يرجع إلى عدة أمور منها:
1 - أن الإمام الترمذي لم يفصح عن مراده من هذه الاصطلاحات إلا ما سبق ذكره من تعريفه للحديث الحسن، وأيضاً ما ذكر من أسباب استغراب العلماء للحديث.
2 - صعوبة تحديد قول الترمذي في حكمه على الحديث، وذلك لكثرة اختلاف النسخ فتجد أن الترمذي يقول عن حديث (حسن صحيح) وفي نسخة (حسن) وفي نسخة (صحيح) وهكذا، وعليه فلتحقيق صحة نسبة حكم للترمذي على حديث لابد من مراجعة عدة أصول.
3 - نظراً لأن الترمذي لم يفصح عن مقصوده من هذه الاصطلاحات فإنه يصعب الجزم بأن مقصوده من هذه الأحكام الحكم على الأسانيد، أم الحكم على المتن من أنه معمول به، كما قال عقب حديث: (المسلمون على شروطهم) حسن صحيح، مع أن في إسناده كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف المزني قد أغلظ فيه العلماء القول حتى قال عنه الإمام الشافعي: أحد الكذابين أو أحد أركان الكذب.
4 - أن كل من قام بتفسير أحكام الترمذي المركبة إنما أصدر أحكاماً أغلبية، صادرة عن تتبع واستقراء جزئي لبعض الأحاديث، لذلك فالمتأمل لكلام العلماء الذين خاضوا في