لأن المرفوع هذا حكم، يعني: اللفظ المتصل بالرفع، ولا يمكن أن تتصور الحكم إلا إذا تصورت الماهية، لأن الحكم على الشيء فرع عن تصوره فحينئذٍ تحتاج معرفة المحدود ثم بعد ذلك تحكم عليه، إذًا قوله: (وَلاَ بِمَا يُدْرَى بِمَحْدُودٍ). يعني: الدور السبقي. بمعنى أنه لا يتوقف في معرفة المحدود لفظ في التعريف لا يمكن فهمه إلا بفهم الحد نفسه، وهذا كما ذكرنا توقف معرفة الحد على معرفة المحدود (وَلاَ مُشْتَرَكٍ)، يعني: ولا يكون في التعريف، أو لا يكون التعريف بلفظ مشترك، والمراد بالمشترك هنا المشترك اللفظي وهو: ما اتحد لفظه وتعدد معناه. ما هي الشمس؟ عين، لا يصح لماذا؟ لأن لفظ العين هذا وإن كان جامعًا لأفراد الشمس إن كان لها أفراد إلا أنه لا يمنع من دخول غير المحدود في الحد لأن العين كما سبق يصدق على الشمس، على القمر، وعلى الذهب، والفضة ... إلى آخره حينئذٍ إذا قيل: الشمس هي عين. عرفها بماذا؟ بلفظ مشترك، إذًا ما حصل التعريف لكن قال: (مِنَ القَرِينَةِ خَلاَ). خلا من القرينة، هذا كالقول في المجاز بمعنى أن المنع من إدخال اللفظ المشترك في التعريف إذا خلا عن قرينة تعين المراد، وأما إذا صاحب المشترك قرينة تعين المراد حينئذٍ لا إشكال لو قال: الشمس هي عين تضيء جميع آفاق الدنيا. صح، لماذا؟ لأنه وصف العين بما تختص به الشمس وهو: المحدود. عين تضيء جميع آفاق الدنيا، ولو قال: نهارًا. كذلك يتحلل أكثر، إذًا مشترك (وَلا مُشْتَرَكٍ) يعني: بلفظ مشترك. (مِنَ القَرِينَةِ) المعينة للمراد (خَلاَ) خلا من القرينة، وأما إذا كان ثَمَّ قرينة فحينئذٍ لا بأس من إدخالها في الحد.
ثم قال:
وَعِنْدَهُمْ مِنْ جُمْلَةِ المَرْدُودِ ... أَنْ تَدْخُلَ الأَحْكَامُ فِي الحُدُودِ
(وَعِنْدَهُمْ) هذا خبر مقدم، يعني: عند المناطقة وعند غيرهم كذلك النحاة والفقهاء، (مِنْ جُمْلَةِ المَرْدُودِ) هذا حال من الضمير المستتر ففي الخبر
مِنْ جُمْلَةِ المَرْدُودِ ... أَنْ تَدْخُلَ الأَحْكَامُ فِي الحُدُودِ
أو رسوم فدخول الأحكام في التعاريف كائن عندهم حالة كونهم من جملة المردود، يعني: الحد يعتبر مردودًا، لماذا؟ لانتفاء شرط من شروطه، وهو أن لا يوجد فيه دور سبقي لأنه لا يتصور معرفة الحكم إلا بعد معرفة الماهية، فإذا قيل: الاسم الفاعل هو الاسم المرفوع المذكور قبله فعله، حينئذٍ المرفوع هذا لا يتصور إلا بعد تصور الفاعل ما هو؟ فتقول: هو الاسم المرفوع من القول والفعل. المرفوع ما هو؟ الفاعل، ما هو الفاعل؟ إلى آخره حينئذٍ فيه دور سبقي.
وَعِنْدَهُمْ مِنْ جُمْلَةِ المَرْدُودِ ... أَنْ تَدْخُلَ الأَحْكَامُ فِي الحُدُودِ