التوفيق ".
ثالثاً: باستقراء الأدلة الشرعية فإن الشارع لم يقصد إلى التكاليف بالمشاق والإعنات، لقوله تعالى {ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم}، وقوله (رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا) [البقرة: 286]، وقوله: (لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا) [البقرة: 286] وقوله: (يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ) [البقرة: 185]، وقوله: (وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) [الحج: 78]، وقوله: (يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ) [النساء: 28] وقوله - صلى الله عليه وسلم -: (بعثت بالحنيفية السمحة)، وقول عائشة - رضي الله عنها - (ما خير بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثماً).
رابعاً: لو قصد الشارع التكليف بالمشقة لما حصل الترخيص، فالرخص الشرعية أمر مقطوع به، ومعلوم من الدين بالضرورة، وهي لرفع الحرج والمشقة الواقعة على المكلفين، كرخص القصر، والفطر والجمع بين الصلاتين.
خامساً: ثبت في شريعتنا ما يمنع من التكلف والتنطع في دين الله، لقوله تعالى: (وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ) [ص: 86] وقوله - صلى الله عليه وسلم -: (اكلفوا من الأعمال ما تطيقون فإن الله لا يملّ حتى تملوا).
سادساً: نقل الإمام الشاطبي في "الموافقات" (2/ 122) الإجماع على عدم وجود التكليف بالمشاق غير المعتادة في الشريعة.
سابعاً: لو قصدت المشقة في كل مرة وداوم عليها المكلف، لوجدت مشقة غير معتادة وحرج كبير، ممّا يفضي إلى ترك العبادة بالكلية والانقطاع عنها، وهذا النوع لم تأت به الشريعة الإسلامية، فشرع الله جل وعلا لنا الرفق والأخذ من الأعمال بما لا يحصِّل مللاً، ونبّه النبي - صلى الله عليه وسلم - على ذلك فقال: (القصد القصد تبلغوا) لذلك نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن التنطع وقال: (هلك المتنطعون).
أما استدلالهم بحديث: (بني سلمة دياركم تكتب آثاركم) فالجواب عليه من وجهين:
الوجه الأول: قال الإمام الشاطبي في "الموافقات" (2/ 130): " إن هذه أخبار