المعلوم صدقه عنده وغيره لا يعرف ذلك لا قطعا ولا ظنا وقد يكون الإنسان ذكيا قوى الذهن سريع الإدراك فيعرف من الحق ويقطع به مالا يتصوره غيره ولا يعرفه لا علما ولا ظنا، فالقطع والظن يكون بحسب ما وصل إلى الإنسان من الأدلة وبحسب قدرته على الاستدلال والناس يختلفون في هذا وهذا فكون المسألة قطعية أو ظنية ليس هو صفة ملازمة للقول المتنازع فيه حتى يقال كل من خالفه قد خالف القطعي بل هو صفة لحال الناظر المستدل المعتقد وهذا مما يختلف فيه الناس فعلم أن هذا الفرق لا يطرد ولا ينعكس.
ومنهم من فرق بفرق ثالث وقال: المسائل الأصولية هي المعلومة بالعقل فكل مسألة علمية استقل العقل بدركها فهي من مسائل الأصول التي يكفر أو يفسق مخالفها والمسائل الفروعية هي المعلومة بالشرع قالوا فالأول كمسائل الصفات والقدر والثاني كمسائل الشفاعة وخروج أهل الكبائر من النار.
فيقال لهم: ما ذكرتموه بالضد أولى فان الكفر والفسق أحكام شرعية ليس ذلك من الأحكام التي يستقل بها العقل ... ) (?).
وعليه فيوجه ما ورد عن تقي الدين من ذكره لهذا التقسيم بأمور منها:
1 - أنه يذكره من باب إفهام الخصم بمراده.
2 - أنه يقبله من ناحية أنه لا مشاحة في الاصطلاح مع رفضه للوازم الباطلة التي قد تترتب على بعض وجوه التفريق بينهما.
3 - أنه فرق بينهما كما سيأتي - بإذن الله -.
وأما إنكاره له فيحمل على بعض الوجوه الضعيفة في التفريق نظرا لما يترتب عليها من أحكام شرعية فاسدة كنحو قولهم: أن العاجز عن معرفة الحق في مسائل الأصول غير معذور، بخلاف مسائل الفروع فيعذر فيها بجهله، وقولهم: أنه لا يجوز التقليد في مسائل الأصول بل يجب تحصيلها بالاعتماد على النظر والفكر (?)، وقبولهم لخبر الآحاد في الفروع دون الأصول.