والمعقول: أما النص فقوله تعالى: (فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) [النحل: 43] وهو عام لكل المخاطبين ويجب أن يكون عاما في السؤال عن كل ما لا يعلم بحيث يدخل فيه محل النزاع وإلا كان متناولا لبعض ما لا يعلم بعينه أو لا بعينه والأول غير مأخوذ من دلالة اللفظ والثاني يلزم منه تخصيص ما فهم من معنى الأمر بالسؤال وهو طلب الفائدة ببعض الصور دون البعض وهو خلاف الأصل

وإذا كان عاما في الأشخاص وفي كل ما ليس بمعلوم فأدنى درجات قوله (فَاسْأَلُوا) الجواز وهو خلاف مذهب الخصوم. وأما الإجماع فهو أنه لم تزل العامة في زمن الصحابة والتابعين قبل حدوث المخالفين يستفتون المجتهدين ويتبعونهم في الأحكام الشرعية والعلماء منهم يبادرون إلى إجابة سؤالهم من غير إشارة إلى ذكر الدليل ولا ينهونهم عن ذلك من غير نكير فكان إجماعا على جواز إتباع العامي للمجتهد مطلقا. وأما المعقول فهو أن من ليس له أهلية الاجتهاد إذا حدثت به حادثة فرعية إما أن لا يكون متعبدا بشيء وهو خلاف الإجماع من الفريقين وإن كان متعبدا بشيء فإما بالنظر في الدليل المثبت للحكم أو بالتقليد الأول ممتنع لأن ذلك مما يفضي في حقه وفي حق الخلق أجمع إلى النظر في أدلة الحوادث والاشتغال عن المعايش وتعطيل الصنائع والحرف وخراب الدنيا وتعطيل الحرث والنسل ورفع الاجتهاد والتقليد رأسا وهو من الحرج والإضرار المنفي بقوله تعالى: (وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) [الحج: 78] وبقوله عليه السلام: (لا ضرر ولا ضرار في الإسلام) وهو عام في كل حرج وضرار ضرورة كونه نكرة في سياق النفي ... ).

وقال عضد الدين الإيجي في "شرح مختصر المنتهى" (3/ 634): (من لم يبلغ درجة الاجتهاد يلزمه التقليد سواء كان عاميا أو عالما بطرف صالح من علوم الاجتهاد).

وقد عرض الشاطبي للقولين فيه حيث قال في "الاعتصام" (2/ 343): (المكلف بأحكامها - أي الشريعة - لا يخلو من أحد أمور ثلاثة:

أحدها - أن يكون مجتهدا فيها فحكمه ما أداه إليه اجتهاده فيها.

والثاني - أن يكون مقلدا صرفا خليا من العلم الحاكم جملة فلا بد له من قائد يقوده وحاكم يحكم عليه وعالم يقتدي به.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015