الحكم بالاجتهاد.
وأما قوله - عز وجل -: (وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ) فلا نسلم أنهم العلماء، بل هم «الولاة»، لأن ذلك هو المتبادر من لفظ: (وَأُولِي الْأَمْرِ) بدليل قوله تعالى: (وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ) [النساء: 83]، ولو كان أولو الأمر ههنا العلماء لم يستقم، إذ لا قول لأحد مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والفرض أنه - عز وجل - لامهم على ترك الرد إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم، وهم أمراؤهم ورؤساؤهم الذين التزموا طاعتهم.
وإن سلمنا أن أولي الأمر هم العلماء «فجوابه ما ذكر» يعني في الجواب عن الوجه الأول من أن المأمور بطاعة العلماء هم العامة لا المجتهدون، «ثم هو معارض بعموم» قوله - عز وجل -: (فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ) [الحشر: 2] وقوله - عز وجل -: (أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا) [محمد: 24] وقوله - عز وجل -: (وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ) [النساء: 83] أمر بالاعتبار وهو الاجتهاد، وحض على التدبر والاستنباط، وهو يدل على وجوبه على العموم، «ترك في العامي لعدم أهليته» ففي غيره يبقى على مقتضاه في وجوب الاجتهاد وذلك يعارض ما ذكرتم من دلالة طاعة أولي الأمر على التقليد.
قلنا: لا نسلم، بل الأصل منعه، لأنه أخذ بغير دليل.
قوله: لامتناع حصول أدوات الاجتهاد في كل أحد عادة.
قلنا: لا نسلم أن هذا يجيز التقليد. ثم الكلام فيمن حصل أدوات الاجتهاد.
قلت: هذه المسألة المتنازع فيها واسطة بين طرفين، فتجاذباها، وذلك لأن العامي يقلد باتفاق، والمجتهد إذا ظن الحكم باجتهاد لا يقلد باتفاق.
أما المجتهد الذي لم يجتهد في الحكم، ويظهر له فهو متردد بين الطرفين، فبالنظر إلى أنه لم يحصل له ظن الحكم يلحق بالعامي، وبالنظر إلى أن فيه أدوات الاجتهاد، وهو قادر على معرفة الحكم بقوته القريبة من الفعل يلحق بالمجتهد الذي ظن الحكم في عدم جواز التقليد، ولا يخفى أنه به أشبه، وكذلك الكلام فيمن تمكن