وعليه فالتعريف المختار للاجتهاد هو: (بذل الفقيه وسعه لاكتساب حكم شرعي
ظني عملي من أدلته التفصيلية) (?).
فقولنا: (بذل وسعه) إخراج للتقصير في النظر والاكتفاء من ذلك ببعض الوسع الذي يمكنه أن يزيد عليه.
وقولنا: (الفقيه) المراد به هنا المتهيئ لمعرفة الأحكام، فهي أولى من قول من قيد التعريف بقوله: (ممن هو أهله).
وظاهر صنيع ابن الحاجب وغيره من ذكر هذا القيد قصد الفقيه نفسه لا تهيؤه، وهذا يلزم منه الدور.
وحجته أن قوله (استفراغ الوسع) جنس يدخل فيه الفقيه وغيره، فذكر قيد: الفقيه احتراز عن استفراغ غير الفقيه وسعه.
ولا يزال الدور يلزمه أيضا.
وقد اعترض التفتازاني في "حاشيته على شرح المختصر" (3/ 579) على كلام ابن الحاجب فقال: (قوله: (احتراز عن استفراغ غير الفقيه) الظاهر أنه لا وجه لهذا الاحتراز، فإنه لا يصير فقيها إلا بعد الاجتهاد، اللهم إلا أن يراد بالفقه التهيؤ لمعرفة الأحكام ... ).
واعتراض التفتازاني وجيه فذكر الفقيه في تعريف الاجتهاد يلزم منه الدور،، فمعرفة الفقيه تتوقف على معرفة الاجتهاد، فالفقيه لا يصير فقيها إلا بعد الاجتهاد.
ولا يقال أن هذا القيد بالتفسير الذي ذكرناه يستغني عنه بقيد اكتساب أو استنباط المذكورة عقبه في التعريف؛ لأنا استفدنا من هذا القيد صفة المكتسب أو المستنبط، وفرق بين القدرة على الاكتساب أو الاستنباط والاكتساب أو الاستنباط نفسه، والحدود تحتاج إلى بيان وإيضاح.