لكن المصلحة لا منصوص عليها، ولا ظاهرة المناسبة، فتعين اشتمال أوصاف المحل عليها، فإذا شارك محل الأصل محل آخر في تلك الأوصاف، وجب إلحاقه به في الحكم، لغلبة الظن تساويهما فيه، وهذا الوجه في معنى الأول.
قال الشيخ رشيد الدين الحواري في تقرير هذا: إن لله - عز وجل - في كل حكم يثبته سرا وحكمة، فهذا الحكم الثابت في الأصل لا يخلو عن مصلحة، ولا يعرف غير تلك المصلحة، وفي محل الإجماع أوصاف يعرف أن بعضها لا يخلو عن المصلحة قطعا، ويوهم اشتمال البعض على المصلحة، فإذا جمع بين الأصل والفرع بما يوهم اشتماله على المصلحة; كان هذا قياسا شبهيا.
مثاله: أن يقول: حرم الشارع الربا في البر والشعير، فلا يخلو من أن يكون حرمه لكونه مكيلا، أو لكونه مطعوما، ونعلم أنه حرمه لمصلحة لا نعلم عينها، لكن الأشبه أن المصلحة في ضمن الطعم، لكونه مظنة المصالح الكثيرة، لكونها قوام العالم المعينة على العبادة بخلاف الكيل، إذ لا مصلحة فيه.
قلت: هذا المثال صحيح، لكن تعليل التحريم بالطعم المتضمن لمصلحة قوام العالم فاسد الوضع، لأن ما كان قواما للعالم هو من أكبر النعم فلا يناسب التحريم لأجله، اللهم إلا أن يقال بأنه حرم التفاضل تحصيلا للتناصف في هذه النعمة، ودفعا للتغابن فيها، فيكون ذلك صحيحا مناسبا، والتعليل بالكيل أنسب، لأن المعقول من تحريم الربا نفي التغابن في الأموال، وأكلها بالباطل، فإضافته إلى ما يتحقق به التفاضل وهو الكيل والوزن أولى.
قال: والفرق بين الشبه والمناسبة أن المناسبة يتعين فيها المصلحة بخلاف الشبه، فإن المصلحة فيه مطلقة; يعني مبهمة.
قلت: وحاصل هذا الفرق أن المناسب يؤثر في عين المصلحة، والشبه يؤثر في جنسها، فبينهما من الفرق نحو ما بين الوصف المؤثر والملائم والغريب.
حجة القاضي في منع التمسك بالشبه وهو القاضي المالكي- أحسبه عبد الوهاب (?) - ; وهو أن الدليل ينفي العمل بالظن مطلقا لقوله تعالى: (إِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ