وقد سبق بيان أن القياس له مراتب من حيث القوة والضعف والجلاء والخفاء، فالقياس الذي في معنى الأصل أقوى من القياس الجلي، الجلي أقوى من الخفي، وقياس العلة أقوى من قياس الدلالة.
ثم عند معارضة القياس مع دليل آخر فلابد من النظر إلى قوة النص الذي هو أصل القياس.
ومما سبق يتبين أن الأصوليين متفقون على أن القياس إذا خالف دليلا أقوى منه أنه يصح الاعتراض عليه بفساد الاعتبار، وأنه على المستدل بالقياس أن يجيب عنه بأحد الأجوبة الآتي ذكرها، وإلا فقياسه باطل (?).
قال ابن النجار في " شرح الكوكب" (4/ 239): ("وجوابه" أي وجواب القدح بفساد الاعتبار:
إما "بضعفه" بأن يمنع صحة النص بالطعن في سنده، بأن يقول: لا نسلم صحة تغسيل علي لفاطمة. وإن سلم فلا نسلم أن ذلك اشتهر، وإن سلم فلا نسلم أن الإجماع السكوتي حجة، وإن سلم. فالفرق بين علي وغيره: أن فاطمة زوجته في الدنيا والآخرة بإخبار النبي صلى الله عليه وسلم، فالموت لا يقطع النكاح بينهما، بخلاف غيرهما.
أو يقول في مسألة السلم: لا نسلم صحة الترخيص في السلم، وإن سلمنا فلا نسلم أن اللام فيه للاستغراق. فلا يتناول الحيوان، وإن صح السلم في غيره.
"أو" ب "منع ظهوره" أي ظهور النص، بأن يقول في مسألة الصوم: لا نسلم أن الآية تدل على صحة الصوم بدون تبييت النية؛ لأنها مطلقة، وقيدناها بحديث (لا صيام لمن لم يبيت الصيام من الليل).
"أو" بـ "تأويله" أي تأويل النص، بأن يقول في مسألة الصوم: إن الآية دلت على ثواب الصائم، وإنا لا نسلم أن الممسك بدون تبييت النية صائم، أو يقول: إن النص المعارض للقياس مؤول بدليل يرجحه على الظاهر.
"أو" بـ "القول بموجبه" بأن يقول: أنا أقول بموجب النص، إلا أن مدلوله لا ينافي