ذكر الشيخ هنا بعض أنواع النسخ باعتبار الناسخ، وهناك أنواعا أخرى جائزة في المذهب لم يذكرها الشيخ، منها: نسخ متواتر السنة بمتواترها، ونسخ آحاد بمتواتر من السنة، وقاعدة المذهب أنه يشترط أن يكون المنسوخ مثل الناسخ أو أعلى منه، وأما دونه فقد سبق تفصيل الخلاف فيها وبيان أن الراجح الجواز، وفي المذهب يجوز نسخ الفحوى والنسخ بها، ويجوز نسخ حكم مفهوم المخالفة.
وإليك - زيادة في الفائدة - شيئا من التفصيل في النقاط التالية:
مثل الشيخ لبعض الأنواع، ولم يذكر مثالا لنسخ القرآن بالسنة.
المثال الأول - نسخ قوله تعالى: (كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ) [البقرة: 180] بالنسبة للفرع الوارث بآيات المواريث، وكما هو معلوم أن من شروط النسخ التعارض وعدم إمكان الجمع، والجمع ممكن بين هذه الآية وآيات المواريث، فما نسخ وجوبه بقي جوازه أو ندبه - على الخلاف المعروف في المسألة - وعليه فالجمع بينهما ممكن بأن الوصية للوارث جائزة أو مستحبة مع ثبوت الإرث.
إذا تقرر هذا علم أن قوله - صلى الله عليه وسلم -: «إن الله قد أعطى كل ذي حق حقه فلا وصية لوارث» (?) إنما نسخ ما بقى من الجواز أو الندب للتحريم فلا يجوز الوصية للفرع الوارث.
قال ابن حزم في "الإحكام" (4/ 511): (ومما نسخ من القرآن بالسنة قوله تعالى (كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ) [البقرة:180] نسخ بعضها قوله صلى الله عليه وسلم لا وصية لوارث وقد قال قوم إن آيات المواريث نسخت هذه الآية.
قال أبو محمد وهذا خطأ محض لأن النسخ هو رفع حكم المنسوخ ومضاد له وليس في آية المواريث ما يمنع الوصية للوالدين والأقربين إذ جائز أن يرثوا ويوصى لهم مع ذلك من الثلث).