ومثاله قوله تعالى (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ) فظاهرها أنها عامة في تحريم الأكل والانتفاع إلا أن قوله - صلى الله عليه وسلم - (هلا انتفعتم بإهابها) بين أن هذا الظاهر غير مراد وأنه ينتفع من الميتة بإهابها بعد دبغه.
3 - قد يكون قياسا راجحا.
ومثاله تخصيص عموم قوله تعالى: (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ) [سورة النور: آية 2] .. فان عموم الزانية خصص بالنص وهو قوله في الإماء: (فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ) [سورة النساء: آية 25]. فقيس عليها العبد بجامع الرق فيلزم جلد العبد خمسين لقياسه على الأمة ويخرج بذلك من عموم ((الزاني)) الذي يجلد مائة.
4 - قد يكون قرينة.
قال الطوفي في "شرح مختصر الروضة" (1/ 564): (القرينة المتصلة، كالمناظرة التي حصلت بين أحمد والشافعي رضي الله عنهما.
قال أحمد في رواية صالح وحنبل: كلمت الشافعي في هذه المسألة، يعني أن الواهب ليس له الرجوع فيما وهب، لقوله عليه السلام: العائد في هبته كالكلب يعود في قيئه، فقال الشافعي- وكان يرى أن له الرجوع-: ليس بمحرم على الكلب أن يعود في قيئه قال أحمد: فقلت له: فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «ليس لنا مثل السوء»، فسكت، يعني الشافعي.
قلت: فالشافعي تمسك بالظاهر، وهو أن الكلب لما لم يحرم عليه الرجوع في قيئه، فالظاهر أن الواهب إذا رجع مثله في عدم التحريم، لأن الظاهر من التشبيه استواء المشبه والمشبه به من كل وجه، مع احتمال أن يفترقا من بعض الوجوه احتمالا قويا جدا، فضعف حينئذ جانب أحمد في الاستدلال جدا، لأنه لم يبق معه إلا احتمال ضعيف جدا، فقواه بالقرينة المذكورة وهي قوله عليه السلام في صدر الحديث المذكور: «ليس لنا مثل السوء، العائد في هبته كالكلب يعود في قيئه» وهي دليل قوي، وجعل ذلك مقدما على المثل المذكور، وهو دليل الاهتمام به، فأفاد ذلك لغة وعرفا، أن الرجوع في الهبة مثل سوء، وقد نفاه صاحب الشرع، وما نفاه صاحب الشرع يحرم إثباته، فلزم من ذلك أن جواز الرجوع في الهبة يحرم إثباته، فيجب نفيه، وهو