قلت: مثاله، أن الجن قد أعطي بعضهم قوة الطيران في الهواء، فهذا يخاطب بقصد البيت الحرام للحج طائرا.
والإنسان لعدم تلك القوة فيه، لا يخاطب بذلك، فهذا في طرف زيادة تكليفهم على تكليف الإنس.
وأما من جهة نقص تكليفهم عن تكليف الإنس، فكل تكليف يتعلق بخصوص طبيعة الإنس، ينتفي في حق الجن، لعدم تلك الخصوصية فيهم.
والدليل على تكليف الجن بالفروع، الإجماع على أن النبي صلى الله عليه وسلم أرسل بالقرآن الكريم إلى الجن والإنس، فجميع أوامره ونواهيه متوجهة إلى الجنسين، وهي مشتملة على الأصول والفروع، نحو: (آمِنُوا بِاللَّهِ) [النساء: 136]، (وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ) [البقرة: 43]. وقد تضمن هذا الدليل، على أن كفار الإنس مخاطبون بها، وكذلك كفار الجن، لتوجه القرآن بجميع ما فيه إلى مؤمني الجنسين وكفارهم).
ومما سبق يعرف المكلف بأنه: (الآدمي البالغ العاقل الذاكر غير الملجأ).
قال الطوفي في "مختصر الروضة" (ص/12): (وفي تكليف المميز، قولان: الإثبات، لفهمه الخطاب. والأظهر النفي، إذ أول وقت يفهم فيه الخطاب، غير موقوف على حقيقته، فنصب له عدم ظاهر يكلف عنده، وهو البلوغ.
ولعل الخلاف في وجوب الصلاة والصوم عليه، وصحة وصيته وعتقه وتدبيره وطلاقه وظهاره وإيلائه ونحوها، مبني على هذا الأصل).
وقال الشنقيطي في المذكرة (ص/28): (وأما الصبي المميز فجمهور العلماء على أنه غير مكلف بشيء مطلقاً لأن القلم مرفوع عنه حتى يبلغ، وعن أحمد رواية مرجوحة بتكليف الصبي المميز، ومذهب مالك وأصحابه تكليف الصبي بالمكروه والمندوب فقط دون الواجب والحرام، قالوا للإجماع على أنه لا إثم عليه بترك واجب ولا بارتكاب حرام لرفع القلم عنه، وأما المكروه والمندوب، فاستدلوا لتكليفه بهما بحديث الخثعمية التي أخذت بضبعي (?) صبى، وقالت: (يا رسول الله ألهذا حج؟ قال