وجوب المبادرة خوفاً من طرو العوائق، أو نزول الموت قبل الأداء كما تقدم إيضاحه.

وأجابوا عن قولهم: إن من تمكن من أداء الحج، ثم أخره، ثم فعله لا ترد شهادته فيما بين فعله وتأخيره. ولو كان التأخير حراماً لردت شهادته لارتكابه ما لا يجوز بأنه ما كل من ارتكب ما لا يجوز ترد شهادته، بل لا ترد إلا بما يؤدي إلى الفسق، وهنا قد يمنع من الحكم بتفسيقه مراعاة الخلاف، وقول من قال: إنه لم يرتكب حراماً وشبهة الأدلة التي أقاموها على ذلك، هذا هو حاصل أدلة الفريقين.

قال مقيده عفا الله عنه وغفر له: أظهر القولين عندي وأليقهما بعظمة خالق السموات والأرض هو: أن وجوب أوامره جل وعلا كالحج على الفور، لا على التراخي، لما قدمنا من النصوص الدالة على الأمر بالمبادرة، وللخوف من مباغتة الموت كقوله: (وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ) [آل عمران: 133]، وما قدمنا معها من الآيات وكقوله: (أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ) [الأعراف: 185] ولما قدمنا من أن الشرع واللغة والعقل كلها يدل على أن أوامر الله تجب على الفور، وقد بينا أوجه الجواب عن كونه صلى الله عليه وسلم لم يحج حجة الإسلام إلا سنة عشر، والعلم عند الله تعالى ... ).

خروج الأمر عن الوجوب للندب لقرينة:

قال الشيخ: (وقد يخرج الأمر عن الوجوب لدليل يقتضي ذلك فيخرج عن الوجوب إلى معان منها: الندب).

سبق تعريف الواجب وهو (ما أمر به الشارع على وجه الإلزام) والمندوب وهو (ما أمر به الشارع لا على وجه الإلزام) والمقصود بيان أنه قد تأتي قرينة أو دليل يبين أن الأمر ليس على سبيل الإلزام.

مثال: وقد مثل الشيخ في الأصل لذلك فقال: (كقوله تعالى: (وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ) [البقرة: 282] فالأمر بالإشهاد على التبايع للندب، بدليل أن النبي صلي الله عليه وسلم اشترى فرساً من أعرابي ولم يشهد).

فعل النبي صلى الله عليه وسلم هنا من عدم الإشهاد عند البيع بيَّن أن الأمر بالإشهاد للإرشاد والندب، والدليل الصارف هو قوله تعالى: {فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015