وَقِيلَ يَكْفِي هُنَا اثْنَانِ؛ لِأَنَّ شَهَادَتَهُمَا عَلَى نَقْضِ الْعَهْدِ (وَغُرُورِهَا) بِإِخْبَارِهِ إيَّاهَا أَنَّهُ مُسْلِمٌ فَتَزَوَّجَهَا وَوَطِئَهَا (وَتَطَلُّعِهِ عَلَى عَوْرَاتِ الْمُسْلِمِينَ) يَعْنِي يُطْلِعُ الْحَرْبِيِّينَ عَلَى عَوْرَاتِ الْمُسْلِمِينَ كَأَنْ يَكْتُبَ لَهُمْ كِتَابًا أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا بِأَنَّ الْمَحَلَّ الْفُلَانِيَّ لِلْمُسْلِمِينَ لَا حَارِسَ فِيهِ مَثَلًا لِيَأْتُوا مِنْهُ (وَسَبِّ نَبِيٍّ) مُجْمَعٍ عَلَى نُبُوَّتِهِ عِنْدَنَا (بِمَا لَمْ يَكْفُرْ بِهِ) أَيْ بِمَا نُقِرُّهُمْ عَلَيْهِ مِنْ كُفْرِهِمْ لَا بِمَا كَفَرَ بِهِ كَلَمْ يُرْسِلْ إلَيْنَا أَوْ عِيسَى ابْنٌ لِلَّهِ فَإِنَّهُ لَا يُقْتَلُ؛ لِأَنَّا أَقْرَيْنَاهُمْ عَلَى ذَلِكَ نَعَمْ إنْ ظَهَرَ ذَلِكَ يُوجَعُ ضَرْبًا.
(قَالُوا) أَيْ الْأَشْيَاخُ فِي بَيَانِ مَا لَمْ يَكْفُرْ بِهِ (كَلَيْسَ بِنَبِيٍّ أَوْ لَمْ يُرْسَلْ أَوْ لَمْ يُنْزَلْ عَلَيْهِ قُرْآنٌ أَوْ تَقَوَّلَهُ) أَيْ اخْتَلَقَهُ مِنْ قِبَلِ نَفْسِهِ (أَوْ عِيسَى خَلَقَ مُحَمَّدًا أَوْ) قَالَ كَمَا وَقَعَ لِبَعْضِ نَصَارَى مِصْرَ لَعَنَهُ اللَّهُ (مِسْكِينٌ مُحَمَّدٌ يُخْبِركُمْ أَنَّهُ فِي الْجَنَّةِ مَا لَهُ لَمْ يَنْفَعْ نَفْسَهُ حِينَ أَكَلَتْهُ الْكِلَابُ) يُرِيدُ عَضَّتْهُ فِي سَاقَيْهِ قَالَ مَالِكٌ حِينَ سُئِلَ عَنْ هَذَا اللَّعِينِ: أَرَى أَنْ يُضْرَبَ عُنُقُهُ (وَقُتِلَ إنْ لَمْ يُسْلِمْ) ، وَيَتَعَيَّنُ فِي السَّبِّ، وَفِي غَصْبِ الْمُسْلِمَةِ وَغُرُورِهَا، وَأَمَّا فِي التَّطَلُّعِ عَلَى عَوْرَاتِ الْمُسْلِمِينَ فَيُخَيَّرُ الْإِمَامُ بَيْنَ قَتْلِهِ، وَأَسْرِهِ، وَأَمَّا فِي قِتَالِهِ فَيَنْظُرُ فِيهِ بِالْأُمُورِ الْخَمْسَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ فِي الْأَسْرَى.
(وَإِنْ) (خَرَجَ) ذِمِّيٌّ (لِدَارِ الْحَرْبِ) نَاقِضًا بِخُرُوجِهِ الْعَهْدَ (وَأُخِذَ) (اُسْتُرِقَّ) أَيْ جَازَ اسْتِرْقَاقُهُ إذْ الْإِمَامُ مُخَيَّرٌ فِيهِ بَيْنَ الْمَنِّ وَالْفِدَاءِ وَالِاسْتِرْقَاقِ، وَإِنَّمَا اقْتَصَرَ الْمُصَنِّفُ عَلَى الِاسْتِرْقَاقِ لِلرَّدِّ عَلَى أَشْهَبَ الْقَائِلِ بِأَنَّ الْحُرَّ لَا يَرْجِعُ رَقِيقًا (إنْ لَمْ يُظْلَمْ، وَإِلَّا) بِأَنْ خَرَجَ لِظُلْمٍ لَحِقَهُ (فَلَا) يُسْتَرَقُّ، وَيُرَدُّ لِجِزْيَتِهِ وَيُصَدَّقُ فِي دَعْوَاهُ أَنَّهُ خَرَجَ لِظُلْمٍ، وَصَرَّحَ بِمَفْهُومِ الشَّرْطِ لِيُشَبِّهَ بِهِ قَوْلَهُ: (كَمُحَارَبَتِهِ) بِدَارِ الْإِسْلَامِ غَيْرَ مُظْهِرٍ لِلْخُرُوجِ عَنْ الذِّمَّةِ فَإِنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ الْمُسْلِمِ الْمُحَارِبِ أَيْ قَاطِعِ الطَّرِيقِ لِأَخْذِ مَالٍ أَوْ مَنْعِ سُلُوكٍ.
(وَإِنْ ارْتَدَّ جَمَاعَةٌ) بَعْدَ إسْلَامِهِمْ (وَحَارَبُوا) الْمُسْلِمِينَ ثُمَّ قَدَرْنَا عَلَيْهِمْ (فَكَالْمُرْتَدِّينَ) مِنْ الْمُسْلِمِينَ الْأَصْلِيِّينَ يُسْتَتَابُ كِبَارُهُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَإِنْ تَابُوا، وَإِلَّا قُتِلُوا، وَمَالُهُمْ فَيْءٌ، وَيُجْبَرُ صِغَارُهُمْ عَلَى الْإِسْلَامِ مِنْ غَيْرِ اسْتِتَابَةٍ، وَقَالَ أَصْبَغُ كَالْكُفَّارِ الْحَرْبِيِّينَ يُسْتَرَقُّونَ وَأَوْلَادُهُمْ.
(وَ) يَجُوزُ (لِلْإِمَامِ) ، وَيَنْبَغِي أَوْ نَائِبِهِ فَقَطْ (الْمُهَادَنَةُ)
ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: وَقِيلَ يَكْفِي هُنَا اثْنَانِ) أَيْ يَشْهَدَانِ عَلَى الْغَصْبِ، وَإِنْ لَمْ يُعَايِنَا الْوَطْءَ، وَقَوْلُهُ: عَلَى نَقْضِ الْعَهْدِ أَيْ لَا عَلَى الزِّنَا (قَوْلُهُ: فَتَزَوَّجَهَا وَوَطِئَهَا) وَأَمَّا لَوْ تَزَوَّجَهَا مَعَ عِلْمِهَا بِكُفْرِهِ مِنْ غَيْرِ غُرُورٍ فَلَا يَكُونَ نَقْضًا لِعَهْدِهِ، وَيَلْزَمُهُ الْأَدَبُ فَقَطْ (قَوْلُهُ: كَأَنْ يَكْتُبَ لَهُمْ كِتَابًا إلَخْ) فَفِي الْمَوَّاقِ عَنْ سَحْنُونٍ إنْ وَجَدْنَا فِي أَرْضِ الْإِسْلَامِ ذِمِّيًّا كَاتِبًا لِأَهْلِ الشِّرْكِ بِعَوْرَاتِ الْمُسْلِمِينَ قُتِلَ لِيَكُونَ نَكَالًا لِغَيْرِهِ (قَوْلُهُ: مُجْمَعٌ عَلَى نُبُوَّتِهِ عِنْدَنَا) أَيْ مَعْشَرِ الْمُسْلِمِينَ، وَإِنْ أَنْكَرَهَا الْيَهُودُ كَنُبُوَّةِ دَاوُد وَسُلَيْمَانَ وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ مَجْمَعٌ إلَخْ عَمَّا اُخْتُلِفَ فِي نُبُوَّتِهِ عِنْدَنَا كَالْخَضِرِ وَلُقْمَانَ فَلَا يُنْتَقَضُ عَهْدُهُ بِسَبِّهِ (قَوْلُهُ: بِمَا لَمْ يَكْفُرْ بِهِ) أَيْ بِمَا لَمْ يَكْفُرْ بِهِ الْكُفْرَ الَّذِي يُقَرُّ عَلَيْهِ بِأَنْ كَفَرَ بِهِ الْكُفْرَ الَّذِي لَا يُقَرُّ عَلَيْهِ كَذَا ذَكَرَ بَعْضُهُمْ وَذَكَرَ غَيْرُ وَاحِدٍ أَنَّ الْمُرَادَ بِمَا لَمْ يَكْفُرْ بِهِ مَا لَا يُقَرُّ عَلَيْهِ وَالْمُرَادُ بِمَا كَفَرَ بِهِ مَا أَقْرَرْنَاهُ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ: يُرِيدُ عَضَّتَهُ فِي سَاقَيْهِ) فِيهِ أَنَّهُ لَا حَاجَةَ لِهَذَا التَّفْسِيرِ إذْ لَا حَقِيقَةَ لِهَذَا الْكَلَامِ حَتَّى يُبَيِّنَ، وَإِنَّمَا وَقَعَ مِنْ مَلْعُونٍ مِنْ نَصَارَى مِصْرَ أَنَّهُ قَالَ مِسْكِينٌ مُحَمَّدٌ يُخْبِرُكُمْ بِأَنَّهُ فِي الْجَنَّةِ مَا لَهُ لَمْ يَنْفَعْ نَفْسَهُ إذْ كَانَتْ الْكِلَابُ تَأْكُلُ سَاقَيْهِ فَأَرْسَلَ لِمَالِكٍ الِاسْتِفْتَاءَ فِيهِ فَقَالَ أَرَى أَنْ يُضْرَبَ عُنُقُهُ فَقَالَ لَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ اُكْتُبْ، وَيُحْرَقُ بِالنَّارِ فَقَالَ إنَّهُ لَحَقِيقٌ بِذَلِكَ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فَكَتَبْتُهَا وَنَفَذَتْ الصَّحِيفَةُ بِذَلِكَ فَفُعِلَ بِهِ ذَلِكَ.
قَالَ عِيَاضٌ: وَيَجُوزُ إحْرَاقُ السَّابِّ حَيًّا، وَمَيِّتًا (قَوْلُهُ: وَقُتِلَ إنْ لَمْ يُسْلِمْ) ضَمِيرُ قُتِلَ رَاجِعٌ لِلنَّاقِضِ (قَوْلُهُ: وَفِي غَصْبِ الْمُسْلِمَةِ وَغُرُورِهَا) أَمَّا تَعَيُّنِهِ أَيْ الْقَتْلِ فِي السَّبِّ فَقَدْ اقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الرِّسَالَةِ وَصَدَّرَ بِهِ فِي الْجَوَاهِرِ وَحَكَى عِيَاضٌ فِي الشِّفَاءِ عَلَيْهِ الِاتِّفَاقَ، وَأَمَّا تَعَيُّنُهُ فِي غَصْبِ الْحُرَّةِ وَغُرُورِهَا فَهُوَ فِي نَقْلِ ابْنِ شَاسٍ وَغَيْرِهِ لِمَا فِيهِمَا مِنْ انْتِهَاكِ حُرْمَةِ الْإِسْلَامِ، وَقَدْ قَتَلَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عِلْجًا نَخَسَ بَغْلًا عَلَيْهِ امْرَأَةٌ فَسَقَطَتْ فَانْكَشَفَتْ عَوْرَتُهَا (قَوْلُهُ: وَأَمَّا فِي قِتَالِهِ فَيُنْظَرُ فِيهِ إلَخْ) ، وَمِثْلُ الْقِتَالِ التَّمَرُّدُ عَلَى الْأَحْكَامِ، وَمَنْعُ الْجِزْيَةِ مِنْ كَوْنِهِ يَنْظُرُ فِيهِ الْإِمَامُ بِالْأُمُورِ الْخَمْسَةِ، وَمَا قَالَهُ شَارِحُنَا هُوَ الصَّوَابُ خِلَافًا لِمَا ذَكَرَهُ بَعْضُ الشُّرَّاحِ مِنْ أَنَّ الضَّمِيرَ فِي قَوْلِهِ، وَقُتِلَ إنْ لَمْ يُسْلِمْ رَاجِعٌ لِلسَّابِّ خَاصَّةً، وَأَمَّا غَيْرُهُ مِنْ بَقِيَّةِ النَّقْضِ فَالْإِمَامُ مُخَيَّرٌ فِيهِ بِفِعْلٍ وَاحِدٍ مِنْ الْأُمُورِ الْخَمْسَةِ السَّابِقَةِ، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ نَقْضَ الْعَهْدِ يُوجِبُ الرُّجُوعَ لِلْأَصْلِ مِنْ التَّخْيِيرِ بَيْنَ الْأُمُورِ السَّابِقَةِ.
(قَوْلُهُ: إذْ الْإِمَامُ مُخَيَّرٌ فِيهِ بَيْنَ الْمَنِّ إلَخْ) أَيْ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ (قَوْلُهُ: الْقَائِلُ بِأَنَّ الْحُرَّ إلَخْ) أَيْ الْقَائِلُ إنَّ الْإِمَامَ مُخَيَّرُ فِيهِ بَيْنَ أُمُورٍ أَرْبَعَةٍ مَا عَدَا الِاسْتِرْقَاقَ؛ لِأَنَّ الْحُرَّ لَا يَرْجِعُ رَقِيقًا، وَمَنْشَأُ الْخِلَافِ أَنَّ الذِّمَّةَ هَلْ تَقْتَضِي الْحُرِّيَّةَ بِدَوَامِ الْعَهْدِ فَقَطْ أَوْ أَبَدًا.
(قَوْلُهُ وَيُصَدَّقُ فِي دَعْوَاهُ أَنَّهُ خَرَجَ لِظُلْمٍ) أَيْ سَوَاءٌ قَامَتْ قَرِينَةٌ عَلَى صِدْقِهِ أَمْ لَا (قَوْلُهُ: كَمُحَارَبَتِهِ) أَيْ قَطْعِهِ الطَّرِيقَ لِأَخْذِ مَالٍ أَوْ مَنْعِ سُلُوكٍ فَلَا يُسْتَرَقُّ وَإِنَّمَا يُحْكَمُ عَلَيْهِ بِحُكْمِ الْإِسْلَامِ فِي الْمُحَارِبِ (قَوْلُهُ: فَإِنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ الْمُسْلِمِ الْمُحَارِبِ) أَيْ الْمُشَارُ لَهُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا} [المائدة: 33] الْآيَةَ، وَإِذَا كَانَ حُكْمُهُ حُكْمَ الْمُحَارِبِ الْمُسْلِمِ فَلَا يُسْتَرَقُّ.
(قَوْلُهُ: فَكَالْمُرْتَدِّينَ) أَيْ كَمَا هُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ لَا كَالْحَرْبِيِّينَ كَمَا قَالَ أَصْبَغُ.
(قَوْلُهُ: وَيَنْبَغِي أَوْ نَائِبِهِ) أَيْ أَوْ يُقَالُ قَوْلُهُ: لِلْإِمَامِ أَيْ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا فَيَدْخُلُ نُوَّابُهُ فَالْحَصْرُ الْمُسْتَفَادُ مِنْ تَقْدِيمِ الْخَبَرِ بِالنِّسْبَةِ لِآحَادِ النَّاسِ فَإِنْ وَقَعَتْ الْمُهَادَنَةُ مِنْ غَيْرِ الْإِمَامِ