فَلَا حِنْثَ بِالْعَزْمِ عَلَى الضِّدِّ.

(وَ) حَنِثَ (بِالنِّسْيَانِ) أَيْ بِفِعْلِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ نِسْيَانًا (إنْ أَطْلَقَ) فِي يَمِينِهِ وَلَمْ يَقُلْ لَا أَفْعَلُهُ مَا لَمْ أَنْسَ، وَإِلَّا فَلَا حِنْثَ بِالنِّسْيَانِ، وَمِثْلُ النِّسْيَانِ الْخَطَأُ وَالْغَلَطُ فَمَنْ حَلَفَ لَا يَفْعَلُ كَذَا فَفَعَلَهُ مُعْتَقِدًا أَنَّهُ غَيْرُهُ أَوْ حَلَفَ لَا أَذْكُرُ فُلَانًا فَأَرَادَ ذِكْرَ غَيْرِهِ فَجَرَى ذِكْرُهُ عَلَى لِسَانِهِ غَلَطًا حَنِثَ فَمُتَعَلَّقُ الْخَطَأِ الْجَنَانُ، وَمُتَعَلَّقُ الْغَلَطِ اللِّسَانُ لَكِنْ فِي الْحِنْثِ بِالْغَلَطِ نَظَرٌ.

(وَ) حَنِثَ (بِالْبَعْضِ) فَمَنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ رَغِيفًا فَأَكَلَ بَعْضَهُ، وَلَوْ لُقْمَةً حَنِثَ، وَهَذَا فِي صِيغَةِ الْبِرِّ، وَلَوْ قَيَّدَ بِالْكُلِّ، وَأَمَّا فِي صِيغَةِ الْحِنْثِ فَلَا يَبَرُّ بِفِعْلِ الْبَعْضِ فَمَنْ حَلَفَ لَآكُلَنَّ هَذَا الرَّغِيفَ، وَإِنْ لَمْ آكُلْهُ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَلَا يَبَرُّ بِأَكْلِ بَعْضِهِ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ (عَكْسُ الْبِرِّ) أَيْ فِي صِيغَةِ الْحِنْثِ.

(وَ) حَنِثَ (بِسَوِيقٍ أَوْ لَبَنٍ) أَيْ بِشُرْبِهِمَا (فِي) حَلِفِهِ (لَا آكُلُ) طَعَامًا فِي هَذَا الْيَوْمِ أَوْ لِفُلَانٍ؛ لِأَنَّ شُرْبَهُمَا أَكْلٌ شَرْعًا وَلُغَةً، وَهَذَا إنْ قَصَدَ التَّضْيِيقَ عَلَى نَفْسِهِ بِأَنْ يُدْخِلَ فِي بَطْنِهِ طَعَامًا إذْ هُمَا مِنْ الطَّعَامِ فَإِنْ قَصَدَ الْأَكْلَ دُونَ الشُّرْبِ فَلَا حِنْثَ (لَا) بِشُرْبِ (مَاءٍ) ، وَلَوْ مَاءَ زَمْزَمَ فَلَا يَحْنَثُ إذْ هُوَ لَيْسَ بِطَعَامٍ عُرْفًا، وَإِنْ كَانَ مَاءُ زَمْزَمَ طَعَامًا شَرْعًا، وَالْعُرْفُ يُقَدَّمُ كَمَا تَقَدَّمَ.

(وَ) لَا يَحْنَثُ (بِتَسَحُّرٍ فِي) حَلِفِهِ (لَا أَتَعَشَّى) مَا لَمْ يَقْصِدْ تَرْكَ الْأَكْلِ فِي جَمِيعِ اللَّيْلِ

(وَ) لَا يَحْنَثُ فِي (ذَوْقٍ) لِشَيْءٍ حَلَفَ لَا يَأْكُلُهُ أَوْ لَا يَشْرَبُهُ إذَا

ـــــــــــــــــــــــــــــQالْعَزْمِ عَلَى الضِّدِّ وَتَحْنِيثِ نَفْسِهِ، وَلَا يَتَأَتَّى لَهُ الرُّجُوعُ اُنْظُرْ حَاشِيَةَ مج وَاخْتَارَ طفى هَذِهِ الطَّرِيقَةَ اُنْظُرْ بْن. (قَوْلُهُ: فَلَا حِنْثَ بِالْعَزْمِ عَلَى الضِّدِّ) أَيْ، وَإِنَّمَا يَحْنَثُ بِعَدَمِ فِعْلِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ إذَا فَاتَ الْأَجَلُ وَبِفِعْلِ الْمَحْلُوفِ عَلَى تَرْكِهِ.

(قَوْلُهُ: وَحَنِثَ بِالنِّسْيَانِ) أَيْ عَلَى الْمُعْتَمَدِ خِلَافًا لِابْنِ الْعَرَبِيِّ وَالسُّيُورِيِّ وَجَمْعٍ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ حَيْثُ قَالُوا بِعَدَمِ الْحِنْثِ بِالنِّسْيَانِ وِفَاقًا لِلشَّافِعِيِّ كَذَا فِي الْبَدْرِ الْقَرَافِيِّ (قَوْلُهُ: أَيْ بِفِعْلِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ نِسْيَانًا) أَيْ فَإِذَا حَلَفَ أَنَّهُ لَا يَأْكُلُ فِي غَدٍ فَأَكَلَ فِيهِ نِسْيَانًا فَإِنَّهُ يَحْنَثُ عَلَى الْمُعْتَمَدِ، وَلَوْ حَلَفَ بِالطَّلَاقِ لَيَصُومَنَّ غَدًا فَأَصْبَحَ صَائِمًا فَأَكَلَ نَاسِيًا فَلَا حِنْثَ عَلَيْهِ كَمَا فِي سَمَاعِ عِيسَى، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ حَلَفَ عَلَى الصَّوْمِ، وَقَدْ وُجِدَ وَاَلَّذِي فَعَلَهُ نِسْيَانًا هُوَ الْأَكْلُ، وَهَذَا الْأَكْلُ غَيْرُ مُبْطِلٍ لِصَوْمِهِ؛ لِأَنَّ الْأَكْلَ فِي التَّطَوُّعِ لَا يُبْطِلُهُ، وَهَذَا الصَّوْمُ تَطَوُّعٌ بِحَسَبِ الْأَصْلِ فَلَمَّا لَمْ يَبْطُلْ صَوْمُهُ لَمْ يَحْنَثْ (قَوْلُهُ: مَا لَمْ أَنْسَ) أَيْ أَوْ لَا أَفْعَلُهُ عَمْدًا، وَأَمَّا لَوْ قَالَ لَا أَفْعَلُهُ عَمْدًا، وَلَا نِسْيَانًا فَإِنَّهُ يَحْنَثُ اتِّفَاقًا (قَوْلُهُ: فَمَنْ حَلَفَ لَا يَفْعَلُ كَذَا) هَذَا مِثَالُ لِلْخَطَإِ.

وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ إذَا حَلَفَ لَا يَدْخُلُ دَارَ فُلَانٍ فَدَخَلَهَا مُعْتَقِدًا أَنَّهَا غَيْرُهَا فَإِنَّهُ يَحْنَثُ، وَمِنْ أَمْثِلَةِ الْخَطَإِ أَيْضًا مَا إذَا حَلَفَ أَنَّهُ لَا يَتَنَاوَلُ مِنْهُ دَرَاهِمَ فَتَنَاوَلَ مِنْهُ ثَوْبًا فَتَبَيَّنَ أَنَّ فِيهِ دَرَاهِمَ فَإِنَّهُ يَحْنَثُ، وَقِيلَ بِعَدَمِ الْحِنْثِ، وَقِيلَ بِالْحِنْثِ إنْ كَانَ يَظُنُّ أَنَّ فِيهِ دَرَاهِمَ قِيَاسًا عَلَى السَّرِقَةِ، وَإِلَّا فَلَا حِنْثَ اُنْظُرْ ح (قَوْلُهُ: لَكِنَّ فِي الْحِنْثِ بِالْغَلَطِ) أَيْ اللِّسَانِيِّ نَظَرٌ، وَالصَّوَابُ عَدَمُ الْحِنْثِ فِيهِ، وَمَا وَقَعَ فِي كَلَامِهِمْ مِنْ الْحِنْثِ بِالْغَلَطِ فَالْمُرَادُ بِهِ الْغَلَطُ الْجَنَانِيُّ الَّذِي هُوَ الْخَطَأُ كَحَلِفِهِ أَنَّهُ لَا يُكَلِّمُ زَيْدًا فَكَلَّمَهُ مُعْتَقِدًا أَنَّهُ عَمْرٌو، وَكَحَلِفِهِ لَا أَذْكُرُ فُلَانًا فَذَكَرَهُ لِظَنِّهِ أَنَّهُ غَيْرُ الِاسْمِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ اُنْظُرْ بْن.

(قَوْلُهُ: وَبِالْبَعْضِ) أَيْ وَحَنِثَ بِالْحَلِفِ عَلَى تَرْكِ ذِي أَجْزَاءٍ بِفِعْلِ الْبَعْضِ مِنْهُ فَمَنْ حَلَفَ أَنَّهُ لَا يَأْكُلُ رَغِيفًا حَنِثَ بِأَكْلِ لُقْمَةٍ مِنْهُ، وَمَنْ حَلَفَ أَنَّهُ لَا يَلْبَسُ هَذَا الثَّوْبَ حَنِثَ بِإِدْخَالِ طَوْقِهِ فِي عُنُقِهِ، وَإِنْ حَلَفَ لَا يُصَلِّي حَنِثَ بِالْإِحْرَامِ أَوْ لَا يَصُومُ حَنِثَ بِالْإِصْبَاحِ نَاوِيًا، وَلَوْ أَفْسَدَ بَعْدَ ذَلِكَ فِيهِمَا بَلْ فِي ح إنْ حَلَفَ لَا يَرْكَبُ حَنِثَ بِوَضْعِ رِجْلِهِ فِي الرِّكَابِ، وَلَوْ لَمْ يَسْتَقِرَّ عَلَى الدَّابَّةِ حَيْثُ اسْتَقَلَّ عَنْ الْأَرْضِ، وَإِنْ حَلَفَ إنْ وَضَعْت مَا فِي بَطْنِك فَوَضَعَتْ وَاحِدًا وَبَقِيَ وَاحِدٌ حَنِثَ بِوَضْعِ أَحَدِهِمَا قَالَ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يَطَؤُهَا حَنِثَ بِمَغِيبِ الْحَشَفَةِ، وَقِيلَ بِالْإِنْزَالِ، وَلَمْ يَلْتَفِتُوا فِي هَذَا الْبَعْضِ كَأَنَّهُ لِتَعْوِيلِ الشَّارِعِ فِي أَحْكَامِ الْوَطْءِ عَلَى مَغِيبِ الْحَشَفَةِ، وَلَوْ حَلَفَ أَنَّهُ لَا يَدْخُلُ الدَّارَ لَمْ يَحْنَثْ بِإِدْخَالِ رَأْسِهِ بِخِلَافِ رِجْلِهِ وَالْأَظْهَرُ إنْ اعْتَمَدَ عَلَيْهَا اُنْظُرْ الْبَدْرَ (قَوْلُهُ: وَلَوْ قَيَّدَ بِالْكُلِّ) أَيْ بِأَنْ قَالَ لَا آكُلُ كُلَّ الرَّغِيفِ، وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ وَاسْتَشْكَلَ هَذَا بِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِمَا تَقَرَّرَ مِنْ أَنَّ إفَادَةِ كُلٍّ لِلْكُلِّيَّةِ مَحَلُّهُ مَا لَمْ تَقَعْ فِي حَيِّزِ النَّفْيِ، وَإِلَّا لَمْ تَسْتَغْرِقْ غَالِبًا بَلْ يَكُونُ الْمَقْصُودُ نَفْيَ الْهَيْئَةِ الِاجْتِمَاعِيَّةِ الصَّادِقِ بِثُبُوتِ الْبَعْضِ كَقَوْلِهِ:

مَا كُلُّ مَا يَتَمَنَّى الْمَرْءُ يُدْرِكُهُ ... تَجْرِي الرِّيَاحُ بِمَا لَا تَشْتَهِي السُّفُنُ

، وَمِنْ هُنَا مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ، وَمِنْ غَيْرِ الْغَالِبِ اسْتِغْرَاقُهَا نَحْوُ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ} [الحديد: 23] فَتَأَمَّلْهُ إلَّا أَنْ يُقَالَ رَوْعِي فِي هَذَا الْقَوْلِ الْمَشْهُورِ الْوَجْهُ الْقَلِيلُ حَيْثُ لَا نِيَّةَ، وَلَا بِسَاطَ؛ لِأَنَّ الْحِنْثَ يَقَعُ بِأَدْنَى وَجْهٍ فَتَأَمَّلْهُ.

(قَوْلُهُ: عَكْسُ الْبِرِّ) أَيْ إذَا كَانَتْ الصِّيغَةُ صِيغَةَ حِنْثٍ وَحَلِفٍ عَلَى فِعْلِ شَيْءٍ ذِي أَجْزَاءٍ فَلَا يَبَرُّ بِفِعْلِ الْبَعْضِ، وَذَكَرَ شَيْخُنَا وَغَيْرُهُ أَنَّ مَنْ حَلَفَ بِالْأَكْلِ فَإِنْ كَانَ فِي آخِرِ الْأَكْلِ فَلَا يَبَرُّ الْحَالِفُ إلَّا بِأَكْلِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ ثَلَاثَ لُقَمٍ فَأَكْثَرَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْحَلِفُ عَلَيْهِ فِي آخِرِ أَكْلِهِ فَلَا يَبَرُّ الْحَالِفُ إلَّا بِشِبَعٍ مِثْلِهِ.

(قَوْلُهُ: لَا بِشُرْبِ مَاءٍ) أَيْ لَا يَحْنَثُ بِشُرْبِ مَاءٍ فِي حَلِفِهِ لَا آكُلُ طَعَامًا فِي هَذَا الْيَوْمِ أَوْ لِفُلَانٍ (قَوْلُهُ: وَالْعُرْفُ يُقَدَّمُ) أَيْ وَالْعُرْفُ الْقَوْلِيُّ يُقَدَّمُ عَلَى الْمَقْصَدِ الشَّرْعِيِّ هَذَا، وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ أَنَّ مَاءَ زَمْزَمَ طَعَامٌ شَرْعًا فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ غَايَةَ مَا وَرَدَ فِيهِ أَنَّهُ لِمَا شُرِبَ لَهُ، فَلَا يَلْزَمُ مِنْ قِيَامِهِ قِيَامَ الطَّعَامِ أَنْ يَكُونَ طَعَامًا بَلْ هُوَ مَاءٌ مُطْلَقٌ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015