(إنْ نَوَى) بِاَللَّهِ لَا إنْ لَمْ يَنْوِهِ (وَأَعْزِمُ) أَوْ عَزَمْتُ (إنْ قَالَ بِاَللَّهِ) لَا إنْ لَمْ يَقُلْ، وَلَوْ نَوَى لِأَنَّ مَعْنَى أَعْزِمُ أَقْصِدُ، وَأَهْتَمُّ، وَتَقْيِيدُهُ بِاَللَّهِ يَقْتَضِي أَنَّ مَعْنَاهُ أُقْسِمُ.
(وَفِي أُعَاهِدُ اللَّهَ) لَأَفْعَلَنَّ أَوْ لَا فَعَلْتُ (قَوْلَانِ) أَظْهَرُهُمَا لَيْسَ بِيَمِينٍ؛ لِأَنَّ مُعَاهَدَةَ الشَّخْصِ رَبَّهُ لَيْسَ بِصِفَةٍ مِنْ صِفَاتِ الرَّبِّ وَعَطَفَ عَلَى بِذِكْرِ اسْمِ اللَّهِ قَوْلَهُ: (لَا بِلَكَ عَلَيَّ عَهْدٌ أَوْ أُعْطِيكَ عَهْدًا) (وَ) لَا بِقَوْلِهِ (عَزَمْتُ عَلَيْك بِاَللَّهِ) إلَّا مَا فَعَلْت كَذَا فَلَمْ يَفْعَلْ (وَ) لَا بِقَوْلِهِ (حَاشَا اللَّهَ) مَا فَعَلْت (وَمَعَادِ اللَّهِ) بِالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ مِنْ الْعَوْدِ بِمَعْنَى الرُّجُوعِ وَبِالْمُعْجَمَةِ مِنْ الْإِعَادَةِ أَيْ التَّحْصِينِ وَعَلَى كُلٍّ فَلَيْسَ بِيَمِينٍ (وَ) لَا بِقَوْلِهِ (اللَّهُ رَاعٍ أَوْ) اللَّهُ (كَفِيلٌ) أَوْ، وَكِيلٌ أَوْ شَهِيدٌ؛ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ الْإِخْبَارِ لَا الْإِنْشَاءِ.
(وَالنَّبِيِّ وَالْكَعْبَةِ) وَالرُّكْنِ وَالْمَقَامِ وَالْعَرْشِ وَالْكُرْسِيِّ وَسِرِّ الْإِمَامِ وَالْوَلِيِّ فُلَانٍ مِنْ كُلِّ مَخْلُوقٍ مُعَظَّمٍ شَرْعًا فَعَلْتُ أَوْ لَأَفْعَلَنَّ، وَفِي حُرْمَةِ الْحَلِفِ بِذَلِكَ، وَكَرَاهَتِهِ وَهُوَ صَادِقٌ قَوْلَانِ، وَأَمَّا الْحَلِفُ بِالسُّلْطَانِ أَوْ نِعْمَةِ السُّلْطَانِ أَوْ بِرَأْسِهِ أَوْ رَأْسِ أَبِيهِ أَوْ تُرْبَتِهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَحَرَامٌ قَطْعًا.
(وَ) لَا بِصِفَاتِ الْأَفْعَالِ (كَالْخَلْقِ) وَالرِّزْقِ وَالْإِحْيَاءِ (وَالْإِمَاتَةِ) وَهِيَ عِبَارَةٌ عَنْ تَعَلُّقِ الْقُدْرَةِ بِالْمَقْدُورِ فَهِيَ أُمُورٌ اعْتِبَارِيَّةٌ مُتَجَدِّدَةٌ بِتَجَدُّدِ الْمَقْدُورِ
(أَوْ) قَالَ (هُوَ يَهُودِيٌّ) أَوْ نَصْرَانِيٌّ أَوْ مُرْتَدٌّ أَوْ عَلَى غَيْرِ مِلَّةِ الْإِسْلَامِ إنْ فَعَلَ كَذَا ثُمَّ فَعَلَهُ فَلَا شَيْءَ لَكِنْ يَحْرُمُ عَلَيْهِ ذَلِكَ فَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِ يَمِينٍ فِرِدَّةٌ، وَلَوْ هَازِلًا (وَ) لَا كَفَّارَةَ فِي كُلِّ يَمِينٍ (غَمُوسٍ) تَعَلَّقَتْ بِمَاضٍ سُمِّيَتْ غَمُوسًا لِغَمْسِهَا صَاحِبَهَا فِي النَّارِ أَيْ لِكَوْنِهَا سَبَبًا فِي اسْتِحْقَاقِهِ الْغَمْسَ فِي النَّارِ، وَفَسَّرَهَا بِقَوْلِهِ (بِأَنْ شَكَّ) الْحَالِفُ فِي الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ (أَوْ ظَنَّ) ظَنًّا غَيْرَ قَوِيٍّ، وَأَوْلَى إنْ تَعَمَّدَ الْكَذِبَ (وَحَلَفَ) شَاكًّا أَوْ ظَانًّا أَوْ مُتَعَمِّدًا لِلْكَذِبِ وَاسْتَمَرَّ عَلَى ذَلِكَ (بِلَا تَبَيُّنِ صِدْقٍ) فَإِنْ تَبَيَّنَ صِدْقُهُ لَمْ تَكُنْ غَمُوسًا وَفِيهِ نَظَرٌ
ـــــــــــــــــــــــــــــQالْأَمَانَةَ بِالتَّكَالِيفِ الشَّرْعِيَّةِ الَّتِي هِيَ الْإِلْزَامَاتُ، نَحْوُ الْإِيجَابِ وَالتَّحْرِيمِ إلَخْ، وَهِيَ تَرْجِعُ لِكَلَامِهِ تَعَالَى الْقَدِيمِ الَّذِي يَنْعَقِدُ بِهِ الْيَمِينُ، وَكَذَا قَوْلُهُ: {وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا} [البقرة: 125] إلَخْ إذْ مَعْنَاهُ أَلْزَمْنَاهُمَا بِالتَّظْهِيرِ وَحِينَئِذٍ فَفِي الِاسْتِدْلَالِ بِذَلِكَ نَظَرٌ، وَقَدْ يُقَالُ: إنَّ الِاسْتِدْلَالَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْأَمَانَةِ الْأَعْمَالُ الْمُكَلَّفُ بِهَا أَوْ الشَّهْوَةُ كَمَا هُوَ أَحَدُ التَّفَاسِيرِ، وَأَنَّ الْمُرَادَ بِالْعِزَّةِ الْقُوَّةُ وَالشِّدَّةُ الَّتِي خَلَقَهَا فِي بَعْضِ خَلْقِهِ أَوْ أَنَّهَا حَيَّةٌ عَظِيمَةٌ مُحِيطَةٌ بِالْعَرْشِ أَوْ بِجَبَلِ قَافٍ، وَأَنَّ الْمُرَادَ بِالْعَهْدِ الْأُمُورُ الَّتِي عَاهَدَهُمْ عَلَيْهَا، وَأَمَرَهُمْ بِهَا كَمَا قِيلَ.
(قَوْلُهُ: إنْ نَوَى بِاَللَّهِ) أَيْ، وَأَوْلَى إذَا نَطَقَ بِهِ الْمُرَادُ بِنِيَّتِهِ تَقْدِيرُهُ أَيْ إنْ قَدَّرَ هَذَا اللَّفْظَ، وَمَفْهُومُهُ أَنَّهُ إذَا لَمْ يُقَدِّرْهُ وَيُلَاحِظْهُ فَلَا يَمِينَ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ: لَا إنْ لَمْ يَقُلْ، وَلَوْ نَوَى) أَيْ بِخِلَافِ مَا قَبْلَهُ فَإِنَّ النِّيَّةَ فِيهِ كَافِيَةٌ، وَأَشَارَ الشَّارِحُ لِلْفَرْقِ بَيْنَهُمَا بِقَوْلِهِ؛ لِأَنَّ مَعْنَى أَعْزِمُ إلَخْ. وَحَاصِلُهُ أَنْ أَعْزِمَ لَمَّا كَانَ مَعْنَاهُ أَسْأَلُ، وَهُوَ غَيْرُ مَوْضُوعٍ لِلْقَسَمِ احْتَاجَ فِي كَوْنِهِ قَسَمًا إلَى التَّصْرِيحِ بِلَفْظِ الْجَلَالَةِ بِخِلَافِ مَا قَبْلَهُ فَإِنَّهُ لَمَّا كَانَ مَوْضُوعًا لِلْقَسَمِ كَانَتْ نِيَّةُ الْجَلَالَةِ، وَمَا يَقُومُ مَقَامَهَا بِمَنْزِلَةِ التَّصْرِيحِ بِهَا فَتَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ: وَعَلَى كُلٍّ فَلَيْسَ بِيَمِينٍ) ظَاهِرُهُ، وَلَوْ نَوَى بِهِمَا الْيَمِينَ، وَبِهِ قِيلَ، وَفِي التَّوْضِيحِ عَنْ النَّوَادِرِ مَحَلُّ كَوْنِهِمَا غَيْرَ يَمِينٍ إلَّا أَنْ يُرِيدَ بِهِمَا الْيَمِينَ
(قَوْلُهُ: وَهُوَ صَادِقٌ) أَيْ، وَأَلَّا يَكُنْ صَادِقًا كَانَ حَرَامًا قَطْعًا
(قَوْلُهُ: وَكَالْخَلْقِ وَالرِّزْقِ) عَطْفٌ عَلَى مَدْخُولِ الْبَاءِ فِي قَوْلِهِ لَا بِلَكَ عَلَيَّ عَهْدٌ، وَفَصَلَهُ بِالْكَافِ؛ لِأَنَّهُ نَوْعٌ غَيْرُ مَا سَبَقَ، وَالْمَعْنَى أَنَّ الْيَمِينَ تَحْقِيقُ مَا لَمْ يَجِبْ بِذِكْرِ اسْمِ اللَّهِ أَوْ صِفَتِهِ لَا بِلَكَ عَلَيَّ عَهْدٌ، وَلَا بِالْخَلْقِ وَالرِّزْقِ وَنَحْوِهِمَا مِنْ صِفَاتِ الْأَفْعَالِ، فَتَحْقِيقُ مَا لَمْ يَجِبْ بِهَا لَيْسَ يَمِينًا، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ مَا دَلَّ عَلَى صِفَاتِ الْأَفْعَالِ مِنْ الْأَسْمَاءِ كَالْخَالِقِ وَالرَّازِقِ يَمِينٌ.
(قَوْلُهُ: فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ) أَيْ، وَلَا يَرْتَدُّ بِذَلِكَ، وَلَوْ كَانَ كَاذِبًا فِيمَا عَلَّقَ لِقَصْدِهِ بِذَلِكَ إنْشَاءَ الْيَمِينِ لَا إخْبَارَهُ بِذَلِكَ عَنْ نَفْسِهِ. (قَوْلُهُ: فَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِ يَمِينٍ فَرِدَّةٌ) أَيْ؛ لِأَنَّهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ يُخْبِرُ عَنْ نَفْسِهِ بِأَنَّهُ عَلَى هَذِهِ الْحَالَةِ، وَقَوْلُهُ، وَلَوْ هَازِلًا أَوْ جَاهِلًا (قَوْلُهُ: وَغَمُوسٌ) قَالَ اللَّقَانِيُّ مُخْرَجٌ مِمَّا فِيهِ الْكَفَّارَةُ، وَكَأَنَّهُ قَالَ الْيَمِينُ الْمُوجِبَةُ لِلْكَفَّارَةِ بِذِكْرِ اسْمِ اللَّهِ أَوْ صِفَتِهِ لَا بِلَكَ عَلَيَّ عَهْدٌ، وَلَا بِغَمُوسٍ (قَوْلُهُ: تَعَلَّقَتْ بِمَاضٍ) أَيْ، وَأَمَّا إنْ تَعَلَّقَتْ بِالْحَالِ أَوْ بِالْمُسْتَقْبَلِ فَفِيهَا الْكَفَّارَةُ، وَعَلَى كُلِّ حَالٍ تُسَمَّى غَمُوسًا.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ ظَاهِرَ الْمُصَنِّفِ أَنَّ الْغَمُوسَ تُطْلَقُ عَلَى هَذَا الْمَفْهُومِ، سَوَاءٌ وَجَبَتْ فِيهَا كَفَّارَةُ أَمْ لَا، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ عَرَفَةَ أَيْضًا، وَكَذَلِكَ اللَّغْوُ اسْمٌ لِلْمَفْهُومِ الْآتِي وَجَبَتْ فِيهِ كَفَّارَةٌ أَمْ لَا كَمَا هُوَ ظَاهِرُ الْمُصَنِّفِ وَابْنِ عَرَفَةَ كَذَا نَقُلْ شَيْخُنَا عَنْ عج (قَوْلُهُ: بِأَنْ شَكَّ أَوْ ظَنَّ) أَيْ كَمَا لَوْ شَكَّ فِي مَجِيءِ زَيْدٍ أَمْسِ، وَعَدَمِ مَجِيئِهِ ثُمَّ حَلَفَ مَعَ شَكِّهِ أَنَّهُ قَدْ جَاءَ أَوْ ظَنَّ أَنَّهُ جَاءَ وَحَلَفَ أَنَّهُ جَاءَ، وَلَمْ يَتَبَيَّنْ صِدْقُهُ بِأَنْ تَبَيَّنَ أَنَّ الْأَمْرَ عَلَى خِلَافِ مَا حَلَفَ، وَأَنَّهُ لَمْ يَجِئْ أَوْ بَقِيَ عَلَى شَكِّهِ، وَمِنْ بَابِ أَوْلَى مَا إذَا عَلِمَ عَدَمَ مَجِيئِهِ وَحَلَفَ أَنَّهُ قَدْ جَاءَ (قَوْلُهُ: فَإِنْ تَبَيَّنَ صِدْقُهُ لَمْ يَكُنْ غَمُوسًا) أَيْ، وَلَا إثْمَ عَلَيْهِ مُسْتَمِرٌّ، قَالَ عج: وَهُوَ الْمُتَبَادَرُ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ، وَعَلَيْهِ حَمَلَهَا ابْنُ الْحَاجِبِ قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ، وَعَلَيْهِ حَمَلَ ابْنُ عَتَّابٍ لَفْظَ الْعُتْبِيَّةِ فِيمَا يُشْبِهُ مَسْأَلَةَ الْمُدَوَّنَةِ وَحَمَلَ غَيْرُ وَاحِدٍ الْمُدَوَّنَةَ عَلَى أَنَّهُ وَافَقَ ابْنَ عَبْدِ الْبَرِّ فِي الظَّاهِرِ لَا أَنَّ إثْمَ الْجَرَاءَةِ يَسْقُطُ عَنْهُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يُزِيلُهُ إلَّا التَّوْبَةُ، قَالَ: وَهُوَ ظَاهِرٌ مِنْ جِهَةِ الْفِقْهِ إلَّا أَنَّهُ بَعِيدٌ مِنْ لَفْظِ الْمُدَوَّنَةِ. اهـ. بْن فَقَوْلُ الشَّارِحِ لَمْ تَكُنْ غَمُوسًا أَيْ فَلَا حُرْمَةَ عَلَيْهِ مُسْتَمِرَّةٌ بَلْ تَنْقَطِعُ، وَقَوْلُهُ، وَفِيهِ نَظَرٌ أَيْ فَإِنَّ إثْمَ الْجَرَاءَةِ