فَلَا يَكْفِي فِيهَا سَيْلُ الدَّمِ، وَلَمَّا أَوْهَمَ قَوْلُهُ: وَإِنْ أَيِسَ مِنْ حَيَاتِهِ شُمُولَهُ لِمَنْفُوذَةِ الْمَقَاتِلِ مَعَ أَنَّ ذَكَاتَهَا لَغْوٌ اتِّفَاقًا اسْتَثْنَاهَا مُشِيرًا لِتَفْسِيرِ الْآيَةِ بِقَوْلِهِ (إلَّا الْمَوْقُوذَةَ) أَيْ الْمَضْرُوبَةَ بِحَجَرٍ أَوْ عَصًا (وَمَا) ذُكِرَ (مَعَهَا) فِي الْآيَةِ قَبْلَهَا أَوْ بَعْدَهَا كَالْمُنْخَنِقَةِ بِحَبْلٍ وَنَحْوِهِ وَالْمُتَرَدِّيَةِ مِنْ شَاهِقٍ أَوْ فِي بِئْرٍ أَوْ حُفْرَةٍ وَالنَّطِيحَةِ مِنْ أُخْرَى، وَمَا أَكَلَ بَعْضَهَا السَّبُعُ (الْمَنْفُوذَةَ) بَعْضَ (الْمَقَاتِلِ) فَلَا تَعْمَلُ فِيهَا الذَّكَاةُ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ مَنْفُوذَةَ مَقْتَلٍ عَمِلَتْ فِيهَا وَجَرَى عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْحَرَكَةِ الْقَوِيَّةِ وَسَيْلِ الدَّمِ، وَذَهَبَ الشَّافِعِيُّ إلَى أَنَّهَا تَعْمَلُ فِيهَا الذَّكَاةُ مُطْلَقًا مَنْفُوذَةَ الْمَقَاتِلِ أَمْ لَا مَتَى كَانَ فِيهَا حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ ثُمَّ بَيَّنَ مَنْفُوذَةَ الْمَقْتَلِ بِقَوْلِهِ (بِقَطْعِ نُخَاعٍ) مُثَلَّثُ النُّونِ الْمُخُّ الَّذِي فِي فَقَارِ الْعُنُقِ وَالظَّهْرِ بِفَتْحِ الْفَاءِ جَمْعُ فَقَرَةٍ فَكَسْرُ الصُّلْبِ دُونَ قَطْعِ النُّخَاعِ لَيْسَ بِمَقْتَلٍ (وَنَثْرُ دِمَاغٍ) ، وَهُوَ مَا تَحُوزُهُ الْجُمْجُمَةُ لَا شَدْخُ الرَّأْسِ، وَلَا خَرْقُ خَرِيطَتِهِ دُونَ انْتِثَارٍ (وَ) نَثْرُ (حُشْوَةٍ) بِضَمِّ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ، وَكَسْرِهَا وَسُكُونِ الْمُعْجَمَةِ، وَهُوَ كُلُّ مَا حَوَاهُ الْبَطْنُ مِنْ كَبِدٍ وَطِحَالٍ وَأَمْعَاءٍ وَقَلْبٍ، أَيْ إزَالَةِ مَا ذُكِرَ عَنْ مَوْضِعِهِ بِحَيْثُ لَا يَقْدِرُ عَلَى رَدِّهِ فِي مَوْضِعِهِ عَلَى وَجْهٍ يَعِيشُ مَعَهُ (وَفَرْيِ وَدَجٍ) أَيْ إبَانَةِ بَعْضِهِ عَنْ بَعْضٍ (وَثَقْبِ) أَيْ خَرْقِ (مُصْرَانٍ) بِضَمِّ الْمِيمِ جَمْعُ مَصِيرٍ كَرَغِيفٍ وَرُغْفَانٍ وَجَمْعُ الْجَمْعِ مَصَارِينُ كَسُلْطَانٍ وَسَلَاطِينَ، وَأَحْرَى قَطْعُهُ بِخِلَافِ مُجَرَّدِ شَقِّهِ فَلَيْسَ بِمَقْتَلٍ وَاحْتَرَزَ بِالْمُصْرَانِ عَنْ ثَقْبِ الْكَرْشِ فَلَيْسَ بِمَقْتَلِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ فَالْبَهِيمَةُ الْمُنْتَفِخَةُ إذَا ذُكِّيَتْ ثُمَّ وُجِدَتْ مَثْقُوبَةَ الْكَرْشِ تُؤْكَلُ عَلَى الصَّوَابِ (وَفِي) (شَقِّ الْوَدَجِ) مِنْ غَيْرِ إبَانَةِ بَعْضِهِ مِنْ بَعْضٍ (قَوْلَانِ) لَكِنَّ الْأَظْهَرَ أَنَّهُ مَقْتَلٌ فِي الْوَدَجَيْنِ مَعًا، وَأَنَّهُ فِي الْوَاحِدِ غَيْرُ مَقْتَلٍ.
ثُمَّ ذَكَرَ مَسْأَلَةِ الْمُدَوَّنَةِ دَلِيلًا لِقَوْلِهِ وَأَكْلُ الْمُذَكَّى، وَإِنْ أَيِسَ مِنْهُ وَلِقَوْلِهِ إلَّا الْمَوْقُوذَةَ إلَخْ بِقَوْلِهِ (وَفِيهَا) يَجُوزُ
ـــــــــــــــــــــــــــــQالْقَوْلِ الْمُعْتَمَدِ بِأَنَّ الذَّكَاةَ تَعْمَلُ فِيهَا، وَهُوَ الْمُشَارُ لَهُ بِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ، وَأَكْلُ الْمُذَكِّي، وَإِنْ أَيِسَ مِنْ حَيَاتِهِ فَإِنْ شَخَبَ دَمُهَا أُكِلَتْ كَمَا تُؤْكَلُ بِالْحَرَكَةِ الْقَوِيَّةِ، وَإِنْ كَانَ السَّيَلَانُ فَقَطْ لَمْ تُؤْكَلْ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَسِيلُ مِنْهَا بَعْدَ الْمَوْتِ اُنْظُرْ التَّوْضِيحَ (قَوْلُهُ: فَلَا يَكْفِي فِيهَا سَيْلُ الدَّمِ) أَيْ بَلْ لَا بُدَّ مَعَهُ مِنْ التَّحَرُّكِ الْقَوِيِّ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ كُلًّا مِنْ الْحَرَكَةِ الْقَوِيَّةِ وَشَخْبِ الدَّمِ يَكْفِي فِي الصَّحِيحَةِ وَالْمَرِيضَةِ كَانَ مَرْجُوًّا حَيَاتُهَا أَوْ مَشْكُوكًا فِي حَيَاتِهَا أَوْ مَيْئُوسًا مِنْ حَيَاتِهَا، وَالْحَالُ أَنَّهَا غَيْرُ مَنْفُوذَةِ الْمَقَاتِلِ، وَأَمَّا سَيَلَانُ الدَّمِ، وَكَذَلِكَ الْحَرَكَةُ غَيْرُ الْقَوِيَّةِ اجْتِمَاعًا وَانْفِرَادًا لَا يَكْفِي ذَلِكَ إلَّا فِي الصَّحِيحَةِ وَالْمُلْتَحَقِ بِهَا، وَهِيَ الْمَرِيضَةُ غَيْرُ الْمَيْئُوسِ مِنْهَا، وَلَا يَكْفِي ذَلِكَ فِي الْمَرِيضَةِ الْمَيْئُوسِ مِنْهَا (قَوْلُهُ: الْمَنْفُوذَةَ الْمَقَاتِلِ) صِفَةٌ لِلْمَوْقُوذَةِ، وَمَا مَعَهَا وَجَمْعُ الْمَقَاتِلِ نَظَرًا لِلْمَوْقُوذَةِ، وَمَا مَعَهَا فَهُوَ مِنْ مُقَابَلَةِ الْجَمْعِ بِالْجَمْعِ فَتَقْتَضِي انْقِسَامَ الْآحَادِ عَلَى الْآحَادِ (قَوْلُهُ: فَإِنْ لَمْ تَكُنْ مَنْفُوذَةَ مَقْتَلٍ عَمِلَتْ فِيهَا) أَيْ اتِّفَاقًا إنْ كَانَتْ مَرْجُوَّةَ الْحَيَاةَ، وَكَذَا إنْ كَانَتْ مَيْئُوسًا مِنْهَا أَوْ مَشْكُوكًا فِيهَا عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَرِوَايَتُهُ، وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ وَابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ لَا تَعْمَلُ فِيهَا الذَّكَاةُ، ثَالِثُهَا تَعْمَلُ فِي الْمَشْكُوكِ فِيهَا دُونَ الْمَيْئُوسِ مِنْهَا، وَهُوَ الَّذِي يُفْهَمُ مِنْ الْعُتْبِيَّةِ. اهـ. بْن (قَوْلُهُ: وَذَهَبَ الشَّافِعِيُّ إلَخْ) أَيْ، وَعَلَيْهِ فَالِاسْتِثْنَاءُ فِي قَوْله تَعَالَى {إِلا مَا ذَكَّيْتُمْ} [المائدة: 3] مُتَّصِلٌ أَيْ إلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ مِنْهَا، وَعِنْدَنَا الِاسْتِثْنَاءُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُتَّصِلًا أَيْ إلَّا مَا كَانَتْ ذَكَاتُكُمْ عَامِلَةً فِيهِ مِنْهَا وَاَلَّذِي تَعْمَلُ فِيهِ الذَّكَاةُ مِنْهَا هُوَ الَّذِي لَمْ تَنْفُذْ مَقَاتِلُهُ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُنْقَطِعًا وَالْمَعْنَى لَكِنَّ مَا ذَكَّيْتُمْ مِنْ غَيْرِهَا فَلَا يَحْرُمُ عَلَيْكُمْ إذَا كَانَ ذَلِكَ الْغَيْرُ لَيْسَ مَنْفُوذَ الْمَقَاتِلِ.
وَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا الْمَنْسُوبَ لِلشَّافِعِيِّ مِنْ أَنَّهَا تَعْمَلُ فِيهَا الذَّكَاةُ مُطْلَقًا هُوَ مَذْهَبُهُ حَقِيقَةً خِلَافًا لِمَا يَقَعُ فِيهِ بَعْضُ الشُّرَّاحِ مِنْ نِسْبَةِ غَيْرِ ذَلِكَ لَهُ، وَعَلَامَةُ الْحَيَاةِ الْمُسْتَقِرَّةِ انْفِتَاحُ الْعَيْنِ وَحَرَكَةُ الْأَطْرَافِ. وَأَمَّا الْحَيَاةُ الْمُسْتَمِرَّةُ فَهِيَ الَّتِي لَوْ تُرِكَ صَاحِبُهَا بِلَا ذَكَاةٍ لَعَاشَ. (قَوْلُهُ: بِحَيْثُ لَا يَقْدِرُ عَلَى رَدِّهِ فِي مَوْضِعِهِ عَلَى وَجْهٍ يَعِيشُ مَعَهُ) أَيْ بِأَنْ يُزِيلَ الْتِزَاقَ بَعْضِهَا بِبَعْضٍ أَوْ يُزِيلَ الْتِزَاقَهَا بِمُعْقِرِ الْبَطْنِ، وَأَمَّا مُجَرَّدُ شَقِّ الْبَطْنِ وَظُهُورِ الْأَمْعَاءِ فَلَيْسَ بِمَقْتَلٍ لِحُصُولِ الْحَيَاةِ إذَا خُيِّطَتْ الْبَطْنُ (قَوْلُهُ: وَثَقْبُ مُصْرَانٍ) خِلَافًا لِمَا فِي الْمَوَّاقِ عَنْ ابْنِ لُبَابَةَ مِنْ أَنَّ ثَقْبَ الْمُصْرَانِ وَشَقَّهُ لَيْسَ بِمَقْتَلٍ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَلْتَئِمُ، وَإِنَّمَا الْمَقْتَلُ فِيهِ قَطْعُهُ وَانْتِشَارُهُ هَذَا وَكَانَ الْأَوْلَى لِلْمُصَنِّفِ أَنْ يَقُولَ وَثَقْبُ مَصِيرٍ؛ لِأَنَّ مُصْرَانًا جَمْعُ مَصِيرٍ كَمَا قَالَ الشَّارِحُ فَتَعْبِيرُهُ بِالْجَمْعِ يَقْتَضِي أَنَّ خَرْقَ الْوَاحِدِ لَا يَضُرُّ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ اللِّيَّةَ الْوَاحِدَةَ يُقَالُ لَهَا مَصِيرٌ وَاللِّيَّتَانِ يُقَالُ لَهُمَا مَصِيرَانِ بِالتَّثْنِيَةِ وَالثَّلَاثَةُ يُقَالُ لَهَا مُصْرَانٌ وَخَرْقُ الْمَصِيرِ مُضِرٌّ مُطْلَقًا كَانَ مِنْ أَسْفَلِهِ أَوْ مِنْ أَعْلَاهُ أَوْ مِنْ وَسَطِهِ (قَوْلُهُ: عَنْ ثَقْبِ الْكَرْشِ) أَيْ خَرْقِهَا، وَأَوْلَى شَقِّهَا (قَوْلُهُ: وَأَنَّهُ فِي الْوَاحِدِ غَيْرُ مَقْتَلٍ) أَيْ، وَإِنْ كَانَ الْخِلَافُ مَوْجُودًا فِي الْوَاحِدِ أَيْضًا كَمَا فِي الْمَوَّاقِ عَنْ ابْنِ لُبَابَةَ، وَهَذَا بِخِلَافِ الْقَطْعِ فِي الْوَدَجِ الْوَاحِدِ فَقَدْ مَرَّ أَنَّهُ مَقْتَلٌ قَوْلًا وَاحِدًا.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ فِي شَقِّ الْوَدَجَيْنِ قَوْلَيْنِ، وَكَذَا فِي شَقِّ الْوَدَجِ وَالْأَظْهَرُ مِنْ الْخِلَافِ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا مَا عَلِمْته مِنْ الشَّارِحِ، وَهُوَ أَنَّ الشَّقَّ فِي الْوَدَجَيْنِ مَقْتَلٌ، وَفِي الْوَاحِدِ غَيْرُ مَقْتَلٍ بِخِلَافِ الْقَطْعِ فَإِنَّهُ مَقْتَلٌ اتِّفَاقًا، وَلَوْ فِي وَدَجٍ وَاحِدٍ، وَفِي الْمِعْيَارِ، وَلَمْ يَعُدُّوا جُرْحَ الْقَلْبِ مِنْ الْمَقَاتِلِ، وَاَلَّذِي انْفَصَلَ الْبَحْثُ عَنْهُ أَنَّهُ مِنْهَا فَإِذَا وُجِدَتْ الذَّبِيحَةُ مَجْرُوحَةَ الْقَلْبِ فَإِنَّهَا لَا تُؤْكَلُ وَالْكُلْيَتَانِ وَالرِّئَةُ فِي مَعْنَى الْقَلْبِ فَإِذَا وُجِدَ شَيْءٌ مِنْهَا مَجْرُوحًا