أَوْ كَانَ غَيْرَ مُتَّهَمٍ (إلَّا أَنْ يُعْرَفَ) الْإِشْهَادُ أَيْ يَجْرِيَ بِهِ الْعُرْفُ، أَوْ يُشْتَرَطَ فَيَلْزَمَهُ فَإِنْ لَمْ يَقْبِضْهَا وَهُوَ مُتَّهَمٌ لَزِمَهُ، وَإِنْ لَمْ يَجْرِ بِهِ عُرْفٌ وَأَشَارَ إلَى الْمَضْمُونَةِ فِي الذِّمَّةِ بِقَوْلِهِ (وَقَامَ وَارِثُهُ) أَيْ وَارِثُ الْأَجِيرِ غَيْرِ الْمُعَيَّنِ (مَقَامَهُ) أَيْ مَقَامَ مُوَرِّثِهِ أَيْ إنْ شَاءَ (فِي) قَوْلِ الْمُوصِي (مَنْ يَأْخُذُهُ) أَيْ الْأَجْرَ، أَوْ ادْفَعُوهُ لِمَنْ يَأْخُذُهُ (فِي حَجَّةٍ) فَيَرْضَى إنْسَانٌ وَإِنَّمَا قَامَ وَارِثُهُ مَقَامَهُ لِأَنَّهُ كِرَاءٌ مَضْمُونٌ لَا يَنْفَسِخُ بِمَوْتِهِ (وَلَا يَسْقُطُ فَرْضُ مَنْ حُجَّ عَنْهُ) وَلَا يُكْتَبُ لَهُ نَافِلَةً أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ لَا يَقْبَلُ النِّيَابَةَ (وَلَهُ) أَيْ لِمَنْ حُجَّ عَنْهُ (أَجْرُ النَّفَقَةِ) الَّتِي أَخَذَهَا الْأَجِيرُ (وَ) لَهُ أَجْرُ (الدُّعَاءِ) الْوَاقِعِ مِنْ الْأَجِيرِ لَهُ وَلَهُ أَيْضًا أَجْرٌ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ مُتَسَبِّبٌ فِي الْخَيْرِ وَيَقَعُ لِلْأَجِيرِ نَافِلَةً وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَلَمَّا أَنْهَى الْكَلَامَ عَلَى حُكْمِ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ وَشَرْطِ صِحَّتِهِمَا وَشَرْطِ وُجُوبِ الْحَجِّ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ شَرَعَ يَتَكَلَّمُ عَلَى الْمَقْصُودِ بِالذَّاتِ مِنْهُمَا وَهُوَ أَرْكَانُهُمَا وَوَاجِبَاتُهُمَا وَسُنَنُهُمَا وَمَنْدُوبَاتُهُمَا وَمَا يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ فَقَالَ:
(وَرُكْنُهُمَا) أَيْ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ ثَلَاثَةٌ وَيَخْتَصُّ الْحَجُّ بِرَابِعٍ وَهُوَ الْوُقُوفُ بِعَرَفَةَ، الْأَوَّلُ (الْإِحْرَامُ) وَهُوَ نِيَّةُ أَحَدِ النُّسُكَيْنِ مَعَ قَوْلٍ، أَوْ فِعْلٍ مُتَعَلِّقَيْنِ بِهِ كَالتَّلْبِيَةِ وَالتَّجَرُّدِ مِنْ الْمَخِيطِ كَمَا يَأْتِي وَالرَّاجِحُ النِّيَّةُ فَقَطْ وَلَهُ مِيقَاتَانِ زَمَانِيٌّ وَمَكَانِيٌّ أَشَارَ لِلْأَوَّلِ بِقَوْلِهِ (وَوَقْتُهُ) أَيْ ابْتِدَاءُ وَقْتِهِ بِالنِّسْبَةِ (لِلْحَجِّ شَوَّالٌ) لِفَجْرِ يَوْمِ النَّحْرِ وَيَمْتَدُّ زَمَنُ الْإِحْلَالِ مِنْهُ (لِآخِرِ الْحَجَّةِ) وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّ جَمِيعَ الزَّمَنِ الَّذِي ذَكَرَهُ وَقْتٌ لِجَوَازِ الْإِحْرَامِ كَمَا يُوهِمُهُ لَفْظُهُ بَلْ الْمُرَادُ أَنَّ بَعْضَ هَذَا الزَّمَنِ وَقْتٌ لِجَوَازِ ابْتِدَاءِ الْإِحْرَامِ بِهِ وَهُوَ مِنْ شَوَّالٍ لِطُلُوعِ فَجْرِ يَوْمِ النَّحْرِ، بَعْضُهُ وَقْتٌ لِجَوَازِ التَّحَلُّلِ وَهُوَ مِنْ فَجْرِ يَوْمِ النَّحْرِ لِآخِرِ الْحَجَّةِ وَالْأَفْضَلُ لِأَهْلِ مَكَّةَ الْإِحْرَامُ مِنْ أَوَّلِ الْحَجَّةِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ وَقَبْلَ يَوْمِ التَّرْوِيَةِ (وَكُرِهَ) الْإِحْرَامُ (قَبْلَهُ) أَيْ قَبْلَ شَوَّالٍ
ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: أَوْ كَانَ) أَيْ وَلَمْ يَقْبِضْهَا وَكَانَ إلَخْ. (قَوْلُهُ: لَا يَنْفَسِخُ بِمَوْتِهِ) إنْ قَامَ وَارِثُهُ مَقَامَهُ اسْتَحَقَّ الْأُجْرَةَ كُلَّهَا، أَوْ مَا بَقِيَ مِنْهَا وَإِنْ أَبَى فَإِنَّهُ يَسْتَأْجِرُ مِنْ تَرِكَةِ ذَلِكَ الْأَجِيرِ مَنْ يَحُجُّ بِأُجْرَةٍ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ وَقَوْلُهُمْ إنَّ الْإِجَارَةَ تَنْفَسِخُ بِتَلَفِ مَا يُسْتَوْفَى مِنْهُ أَيْ إذَا كَانَ مُعَيَّنًا لَا إنْ كَانَ غَيْرَ مُعَيَّنٍ. (قَوْلُهُ: وَلَا يَسْقُطُ فَرْضُ مَنْ حُجَّ عَنْهُ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ حَيًّا أَوْ مَيِّتًا. (قَوْلُهُ: وَلَهُ أَجْرُ الدُّعَاءِ) أَيْ ثَوَابُهُ وَفِيهِ أَنَّ ثَوَابَ الدُّعَاءِ لِلدَّاعِي وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَادَ ثَوَابُ الْإِعَانَةِ عَلَى التَّذَلُّلِ وَالْخُضُوعِ فِي الدُّعَاءِ وَالْأَوْلَى كَمَا قَالَ شَيْخُنَا جَعْلُ الدُّعَاءِ عَطْفًا عَلَى " أَجْرُ " أَيْ وَلَهُ الدُّعَاءُ أَيْ لَهُ بَرَكَتُهُ وَهُوَ الْمَدْعُوُّ بِهِ وَهَذَا ظَاهِرٌ إذَا كَانَ الْأَجِيرُ يَقُولُ فِي دُعَائِهِ اللَّهُمَّ ارْحَمْ فُلَانًا، أَوْ اغْفِرْ لَهُ، وَإِلَّا فَلَا شَيْءَ لَهُ وَعِبَارَةُ ابْنِ فَرْحُونٍ كَمَا فِي ح وَثَوَابُ الْحَجِّ لِلْحَاجِّ لَا لِلْمَحْجُوجِ عَنْهُ، وَإِنَّمَا لِلْمَحْجُوجِ عَنْهُ بَرَكَةُ الدُّعَاءِ وَثَوَابُ الْمُسَاعَدَةِ.
(قَوْلُهُ: وَهُوَ أَرْكَانُهُمَا إلَخْ) اعْلَمْ أَنَّ الرُّكْنَ هُوَ مَا لَا بُدَّ مِنْ فِعْلِهِ وَلَا يُجْزِئُ بَدَلًا عَنْهُ دَمٌ وَلَا غَيْرُهُ وَهِيَ الْإِحْرَامُ وَالطَّوَافُ وَالسَّعْيُ وَيَزِيدُ الْحَجُّ عَلَى الْعُمْرَةِ بِالْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ وَهِيَ ثَلَاثُ أَقْسَامٍ: قِسْمٌ يَفُوتُ الْحَجُّ بِتَرْكِهِ وَلَا يُؤْمَرُ بِشَيْءٍ وَهُوَ الْإِحْرَامُ، وَقِسْمٌ يَفُوتُ الْحَجُّ بِفَوَاتِهِ وَيُؤْمَرُ بِالتَّحَلُّلِ بِعُمْرَةٍ وَبِالْقَضَاءِ فِي الْعَامِ الْقَابِلِ وَهُوَ الْوُقُوفُ، وَقِسْمٌ لَا يَفُوتُ الْحَجُّ بِفَوَاتِهِ وَلَا يَتَحَلَّلُ مِنْ الْإِحْرَامِ وَلَوْ وَصَلَ لِأَقْصَى الْمَشْرِقِ أَوْ الْمَغْرِبِ رَجَعَ لِمَكَّةَ لِيَفْعَلَهُ وَهُوَ طَوَافُ الْإِفَاضَةِ وَالسَّعْيُ. (قَوْلُهُ: وَوَاجِبَاتُهُمَا) هِيَ مَا يُطْلَبُ بِالْإِتْيَانِ بِهَا فَإِنْ تَرَكَ شَيْئًا مِنْهَا لَزِمَهُ دَمٌ كَطَوَافِ الْقُدُومِ وَالتَّلْبِيَةِ وَرَمْيِ الْعَقَبَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَجَزَمَ ابْنُ الْحَاجِّ وَابْنُ فَرْحُونٍ بِالتَّأْثِيمِ بِتَرْكِ شَيْءٍ مِنْهَا وَتَرَدَّدَ الطُّرْطُوشِيُّ فِي الْإِثْمِ. (قَوْلُهُ: وَسُنَنُهُمَا) هِيَ مَا يُطْلَبُ بِالْإِتْيَانِ بِهَا وَلَا يَلْزَمُهُ دَمٌ لِتَرْكِهَا. (قَوْلُهُ: ثَلَاثَةٌ) هِيَ الْإِحْرَامُ وَالطَّوَافُ وَالسَّعْيُ. (قَوْلُهُ: وَيَخْتَصُّ الْحَجُّ بِرَابِعٍ إلَخْ) اعْلَمْ أَنَّ الْأَرْكَانَ الْأَرْبَعَةَ الَّتِي ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ لِلْحَجِّ مِنْهَا ثَلَاثَةٌ مُجْمَعٌ عَلَيْهَا وَهِيَ الْإِحْرَامُ وَالْوُقُوفُ وَالطَّوَافُ وَأَمَّا السَّعْيُ فَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ رُكْنٌ فِي الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ وَرَوَى ابْنُ الْقَصَّارِ أَنَّهُ وَاجِبٌ يُجْبَرُ بِالدَّمِ وَلَيْسَ بِرُكْنٍ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَزَادَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ فِي الْأَرْكَانِ الْوُقُوفَ بِالْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَرَمْيَ الْعَقَبَةِ وَالْمَشْهُورُ أَنَّهُمَا غَيْرُ رُكْنَيْنِ بَلْ الْأَوَّلُ مُسْتَحَبٌّ وَالثَّانِي وَاجِبٌ يُجْبَرُ بِالدَّمِ وَحَكَى ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ قَوْلًا بِرُكْنِيَّةِ طَوَافِ الْقُدُومِ وَلَيْسَ بِمَعْرُوفٍ بَلْ الْمَذْهَبُ أَنَّهُ وَاجِبٌ يُجْبَرُ بِالدَّمِ وَاخْتُلِفَ فِي اثْنَيْنِ خَارِجَ الْمَذْهَبِ وَهُمَا النُّزُولُ بِالْمُزْدَلِفَةِ وَالْحِلَاقُ وَالْمَذْهَبُ عِنْدَنَا أَنَّهُمَا وَاجِبَانِ يُجْبَرَانِ بِالدَّمِ فَهَذِهِ تِسْعَةُ أَرْكَانٍ بَيْنَ مُجْمَعٍ عَلَيْهِ وَمُخْتَلَفٍ فِيهِ فِي الْمَذْهَبِ وَخَارِجِهِ قَالَ ح يَنْبَغِي لِلْإِنْسَانِ إذَا أَتَى بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ أَنْ يَنْوِيَ الرُّكْنِيَّةَ لِيَخْرُجَ مِنْ الْخِلَافِ وَلِيَكْثُرَ الثَّوَابُ أَشَارَ لَهُ الشَّبِيبِيُّ اهـ بْن. (قَوْلُهُ: وَالرَّاجِحُ أَنَّهُ النِّيَّةُ فَقَطْ) أَيْ نِيَّةُ الدُّخُولِ فِي حُرُمَاتِ الْحَجِّ أَوْ الْعُمْرَةِ الْمُنْسَحِبَةِ حُكْمًا لِآخِرِ النُّسُكِ وَأَمَّا التَّلْبِيَةُ وَالتَّجَرُّدُ فَكُلٌّ مِنْهُمَا وَاجِبٌ عَلَى حِدَتِهِ يُجْبَرُ بِالدَّمِ. (قَوْلُهُ: وَوَقْتُهُ) أَيْ الَّذِي يَجُوزُ فِيهِ مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ. (قَوْلُهُ: لِفَجْرِ يَوْمِ النَّحْرِ) الْأَوْلَى إلَى قَدْرِ الْوُقُوفِ قَبْلَ الْفَجْرِ لَيْلَةَ النَّحْرِ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: وَيَمْتَدُّ زَمَنُ الْإِحْلَالِ مِنْهُ لِآخِرِ الْحَجَّةِ) أَيْ مِنْ فَجْرِ يَوْمِ النَّحْرِ لِآخِرِ الْحَجَّةِ. (قَوْلُهُ: وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّ جَمِيعَ الزَّمَنِ الَّذِي ذَكَرَهُ وَقْتٌ لِجَوَازِ الْإِحْرَامِ) أَيْ لِأَنَّهُ يُكْرَهُ بَعْدَ فَجْرِ يَوْمِ النَّحْرِ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ إحْرَامٌ لِلْعَامِ الْقَابِلِ قَبْلَ وَقْتِهِ فَيُكْرَهُ. (قَوْلُهُ: بَلْ الْمُرَادُ إلَخْ) هَذَا الْمُرَادُ، وَإِنْ انْدَفَعَ بِهِ الِاعْتِرَاضُ عَلَى الْمُصَنِّفِ لَكِنَّهُ لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ فِي كَلَامِهِ عَلَى أَنَّ الْمَقْصُودَ بَيَانُ الْوَقْتِ الَّذِي يُبْتَدَأُ فِيهِ الْإِحْرَامُ بِالْحَجِّ لَا وَقْتِ التَّحَلُّلِ مِنْهُ. (قَوْلُهُ: وَالْأَفْضَلُ لِأَهْلِ مَكَّةَ الْإِحْرَامُ مِنْ أَوَّلِ الْحَجَّةِ إلَخْ) .