وَإِلَّا وَجَبَ عَلَى التَّحْقِيقِ
(وَإِنْ) سَافَرَ فِي رَمَضَانَ سَفَرًا يُبِيحُ الْفِطْرَ فَصَامَهُ وَ (نَوَى بِرَمَضَانَ) أَيْ بِصَوْمِهِ (فِي سَفَرِهِ غَيْرَهُ) أَيْ غَيْرَ رَمَضَانَ كَتَطَوُّعٍ أَوْ نَذْرٍ أَوْ كَفَّارَةٍ لَمْ يُجْزِ عَنْ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَلَا يَخْفَى أَنَّ قَوْلَهُ (أَوْ) نَوَى فِي سَفَرِهِ (قَضَاءَ) رَمَضَانَ (الْخَارِجِ) دَاخِلٌ فِي قَوْلِهِ غَيْرَهُ فَلَوْ حَذَفَهُ كَانَ أَخْصَرَ إلَّا أَنَّ مَفْهُومَ مُسَافِرٍ بِالنِّسْبَةِ لِهَذِهِ الرَّابِعَةِ فِيهِ خِلَافٌ الرَّاجِحُ أَنَّ الْمُقِيمَ إنْ نَوَى فِي رَمَضَانَ الْحَاضِرِ قَضَاءَ الْخَارِجِ أَجْزَأَهُ عَنْ الْحَاضِرِ (أَوْ نَوَاهُ) أَيْ رَمَضَانَ الْحَاضِرَ (وَنَذْرًا) وَلَوْ قَالَ بَدَلَهُ وَغَيْرَهُ لَكَانَ شَامِلًا لِمَا إذَا نَوَاهُ وَنَذَرَ أَوْ كَفَّارَةً أَوْ تَطَوُّعًا أَوْ قَضَاءَ الْخَارِجِ وَهَذِهِ الْأَرْبَعَةُ فِي الْمُسَافِرِ كَالْأَرْبَعَةِ السَّابِقَةِ وَأَجَابَ عَنْ الثَّمَانِيَةِ بِقَوْلِهِ (لَمْ يُجْزِ عَنْ وَاحِدٍ مِنْهُمَا) وَمِثْلُهَا فِي الْحَاضِرِ فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْمُسَافِرِ مَا عَدَا الصُّورَةَ الَّتِي فِيهَا الْخِلَافُ
(وَلَيْسَ لِمَرْأَةٍ) أَوْ سُرِّيَّةٍ (يَحْتَاجُ لَهَا زَوْجٌ) أَوْ سَيِّدٌ (تَطَوَّعَ بِلَا إذْنٍ) وَالْمُرَادُ بِهِ غَيْرُ الْوَاجِبِ الْأَصْلِيِّ فَيَدْخُلُ فِيهِ النَّذْرُ كَمَا إذَا نَذَرَتْ صَوْمًا أَوْ حَجًّا أَوْ عُمْرَةً أَوْ اعْتِكَافًا فَلَهُ إفْسَادُهُ عَلَيْهَا بِجِمَاعٍ لَا بِأَكْلٍ أَوْ شُرْبٍ فَإِنْ أَذِنَ لَهَا فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ فَإِنْ عَلِمَتْ أَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ لَهَا جَازَ لَهَا التَّطَوُّعُ بِلَا إذْنٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
[دَرْسٌ] (بَابٌ فِي الِاعْتِكَافِ) (الِاعْتِكَافُ) هُوَ لُزُومُ مُسْلِمٍ مُمَيِّزٍ مَسْجِدًا مُبَاحًا بِصَوْمٍ كَافًّا عَنْ الْجِمَاعِ وَمُقَدِّمَاتِهِ يَوْمًا وَلَيْلَةً فَأَكْثَرَ لِلْعِبَادَةِ بِنِيَّةٍ، وَهُوَ مَنْدُوبٌ مُؤَكَّدٌ، وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ (نَافِلَةٌ) وَالتَّنْوِينُ لِلتَّعْظِيمِ
(وَصِحَّتُهُ لِمُسْلِمٍ مُمَيِّزٍ) فَلَا يَصِحُّ مِنْ كَافِرٍ وَغَيْرِ مُمَيِّزٍ
ـــــــــــــــــــــــــــــQصَوْمِ مَا ذَكَرَ بَلْ يُنْدَبُ فَقَطْ (قَوْلُهُ وَإِلَّا وَجَبَ عَلَى التَّحْقِيقِ) أَيْ كَمَا قَالَهُ طفى وبن، وَهُوَ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ وَاخْتَارَهُ شَيْخُنَا خِلَافًا لعج وعبق حَيْثُ قَالَا لَا يَجِبُ التَّتَابُعُ وَلَوْ نَوَاهُ
(قَوْلُهُ أَوْ نَوَى فِي سَفَرِهِ قَضَاءَ رَمَضَانَ الْخَارِجِ) أَيْ وَنَوَى بِصَوْمِهِ فِي سَفَرِهِ قَضَاءَ رَمَضَانَ الْخَارِجِ فَلَا تُجْزِئُهُ عَنْ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَعَلَيْهِ لِلْخَارِجِ إطْعَامُ التَّفْرِيطِ وَلَيْسَ عَلَيْهِ لِرَمَضَانَ الَّذِي هُوَ فِيهِ كَفَّارَةٌ كُبْرَى؛ لِأَنَّهُ مُسَافِرٌ سَفَرَ قَصْرٍ.
(قَوْلُهُ إلَّا أَنَّ مَفْهُومَ مُسَافِرٍ إلَخْ) حَاصِلُهُ أَنَّ الْحَاضِرَ إذَا نَوَى بِصَوْمِ رَمَضَانَ الْحَاضِرِ قَضَاءَ رَمَضَانَ الْفَائِتِ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ: إنَّهُ يُجْزِئُ عَنْ الْحَاضِرِ، وَإِنْ لَمْ يَنْوِهِ وَصَوَّبَهُ عَبْدُ الْحَقِّ فِي النُّكَتِ وَقَالَ مَالِكٌ وَأَشْهَبُ وَسَحْنُونٌ وَابْنُ الْمَوَّازِ وَابْنُ حَبِيبٍ لَا يُجْزِئُ عَنْ وَاحِدٍ وَصَحَّحَهُ ابْنُ رُشْدٍ وَابْنُ الْجَلَّابِ فَكُلٌّ مِنْ الْقَوْلَيْنِ قَدْ صُحِّحَ لَكِنَّ فِي عبق أَنَّ الَّذِي تَجِبُ بِهِ الْفَتْوَى قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَهُوَ إجْزَاؤُهُ عَنْ الْحَاضِرِ.
(قَوْلُهُ وَمِثْلُهَا فِي الْحَاضِرِ) أَشَارَ الشَّارِحُ بِهَذَا إلَى أَنَّ صُوَرَ الْمَسْأَلَةِ سِتَّ عَشْرَةَ صُورَةً حَاصِلَةً مِنْ ضَرْبِ اثْنَيْنِ وَهُمَا الْحَضَرُ وَالسَّفَرُ فِي ثَمَانِيَةٍ، وَهِيَ أَنْ يَنْوِيَ بِرَمَضَانَ الْحَاضِرِ تَطَوُّعًا أَوْ نَذْرًا أَوْ كَفَّارَةً أَوْ قَضَاءَ الْخَارِجِ فَهَذِهِ أَرْبَعَةٌ تُضْرَبُ فِي الْحَضَرِ وَالسَّفَرِ بِثَمَانِيَةٍ أَوْ يَنْوِيَ عَامَهُ وَعَامًا قَبْلَهُ أَوْ هُوَ وَنَذْرًا أَوْ هُوَ وَكَفَّارَةً أَوْ هُوَ وَتَطَوُّعًا فَهَذِهِ أَرْبَعَةٌ تُضْرَبُ فِي الْحَضَرِ وَالسَّفَرِ بِثَمَانِيَةٍ (قَوْلُهُ مَا عَدَا الصُّورَةَ الَّتِي فِيهَا الْخِلَافُ) أَيْ انْفِرَادًا أَوْ اجْتِمَاعًا بِأَنْ نَوَى بِرَمَضَانَ الْحَاضِرِ قَضَاءَ الْخَارِجِ أَوْ نَوَى بِهِ الْحَاضِرَ وَقَضَاءَ الْخَارِجِ مَعًا
(قَوْلُهُ يَحْتَاجُ لَهَا زَوْجٌ) أَوْ عَلِمْت أَوْ ظَنَّتْ أَنَّهُ يَحْتَاجُ لَهَا لِلْوَطْءِ (قَوْلُهُ فَيَدْخُلُ فِيهِ النَّذْرُ إلَخْ) أَيْ وَيَدْخُلُ فِيهِ أَيْضًا مَا وَجَبَ عَلَيْهَا الْكَفَّارَةُ أَوْ فِدْيَةٌ أَوْ جَزَاءُ صَيْدٍ (قَوْلُهُ تَطَوُّعٌ) أَيْ بِصَوْمٍ أَوْ بِغَيْرِهِ وَقَوْلُهُ بِلَا إذْنِ مِثْلِهِ إذَا اسْتَأْذَنَتْهُ فَمَنَعَ.
(قَوْلُهُ الْمُرَادُ بِهِ) أَيْ التَّطَوُّعِ (قَوْلُهُ فَلَهُ إفْسَادُهُ عَلَيْهَا) أَيْ وَيَجِبُ عَلَيْهَا الْقَضَاءُ؛ لِأَنَّهَا مُتَعَدِّيَةٌ وَدَاخِلَةٌ عَلَى أَنَّ لَهُ تَفْطِيرَهَا فَكَأَنَّهَا أَفْطَرَتْ عَمْدًا حَرَامًا (قَوْلُهُ لَا بِأَكْلٍ) أَيْ لَا يَجُوزُ لَهُ إفْسَادُهُ عَلَيْهَا بِأَكْلٍ أَوْ شُرْبٍ؛ لِأَنَّ احْتِيَاجَهُ إلَيْهَا الْمُوجِبَ لِتَفْطِيرِهَا إنَّمَا هُوَ مِنْ جِهَةِ الْوَطْءِ
[بَابٌ فِي الِاعْتِكَافِ]
(بَابٌ فِي الِاعْتِكَافِ) (قَوْلُهُ مُمَيِّزٍ) هُوَ الَّذِي يَفْهَمُ الْخِطَابَ وَيَرُدُّ الْجَوَابَ وَلَا يَنْضَبِطُ بِسِنٍّ بَلْ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَشْخَاصِ وَالْمُرَادُ بِفَهْمِ الْخِطَابِ وَرَدِّ الْجَوَابِ أَنَّهُ إذَا كُلِّمَ بِشَيْءٍ مِنْ مَقَاصِدِ الْعُقَلَاءِ فَهِمَهُ وَأَحْسَنَ الْجَوَابَ عَنْهُ لَا أَنَّهُ إذَا دُعِيَ أَجَابَ (قَوْلُهُ مَسْجِدًا) خَرَجَ لُزُومُ الْبَيْتِ وَقَوْلُهُ مُبَاحًا أَيْ لِكُلِّ النَّاسِ لَا يُحْجَرُ عَلَى أَحَدٍ خَرَجَ مَسْجِدُ الْبَيْتِ (قَوْلُهُ بِصَوْمٍ) أَيْ حَالَةَ كَوْنِ الْمُسْلِمِ الْمَذْكُورِ مُتَلَبِّسًا بِصَوْمٍ.
(قَوْلُهُ يَوْمًا وَلَيْلَةً) ظَرْفٌ لِقَوْلِهِ لُزُومُ أَيْ سِوَى وَقْتِ خُرُوجِهِ لِمَا يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ الْخُرُوجِ لِأَجْلِهِ مِنْ الْبَوْلِ وَالْغَائِطِ وَالْوُضُوءِ وَغَسْلِ الْجَنَابَةِ (قَوْلُهُ لِلْعِبَادَةِ) أَيْ لِأَجْلِ الْعِبَادَةِ فِيهِ مِنْ ذِكْرٍ وَقِرَاءَةٍ وَصَلَاةٍ وَلَا يُقَالُ هَذَا يَشْمَلُ لُزُومَ الْمَسْجِدِ لِأَجْلِ تَدْرِيسِ الْعِلْمِ وَالْحُكْمِ بَيْنَ النَّاسِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ هَذَا عِبَادَةٌ؛ لِأَنَّهَا مَا تُوقَفُ عَلَى مَعْرِفَةِ الْمَعْبُودِ وَمَا ذَكَرَ لَيْسَ كَذَلِكَ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ، وَهُوَ مَنْدُوبٌ) أَيْ عَلَى الْمَشْهُورِ كَمَا فِي خش وعبق وَاعْتَرَضَهُ أَبُو عَلِيٍّ الْمِسْنَاوِيُّ قَائِلًا طَالَعْت شُرَّاحَ الرِّسَالَةِ وَشُرَّاحَ الْمُخْتَصَرِ وَابْنِ عَرَفَةَ وَغَيْرَهُمْ فَلَمْ أَجِدْ مَنْ صَرَّحَ بِتَشْهِيرِهِ وَلَفْظُ التَّوْضِيحِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مُسْتَحَبٌّ إذْ لَوْ كَانَ سُنَّةً لَمْ يُوَاظِبْ السَّلَفُ عَلَى تَرْكِهِ وَمُقَابِلُهُ مَا قَالَهُ ابْنُ الْعَرَبِيِّ إنَّهُ سُنَّةٌ وَمَا قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي الْكَافِي إنَّهُ سُنَّةٌ فِي رَمَضَانَ وَمَنْدُوبٌ فِي غَيْرِهِ فَفِي الصَّحِيحِ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَعْتَكِفُ الْعَشْرَ الْأَوَاخِرَ مِنْ رَمَضَانَ حَتَّى تَوَفَّاهُ اللَّهُ وَكَانَتْ أَزْوَاجُهُ يَعْتَكِفْنَ بَعْدَهُ» وَالتَّنْوِينُ لِلتَّعْظِيمِ أَيْ وَحِينَئِذٍ فَالْمَعْنَى أَنَّهُ نَافِلَةٌ عَظِيمَةٌ أَيْ مَنْدُوبٌ مُؤَكَّدٌ
(قَوْلُهُ وَصِحَّتُهُ) مُبْتَدَأٌ