عَلَى عُلُوِّ مَقَامِهِ وَعِظَمِ شَأْنِهِ أَفَيُجَازَى مِثْلُهُ بِقِلَّةِ الْأَدَبِ بِمُجَرَّدِ هَفْوَةٍ لَا يَخْلُو مِنْهَا أَحَدٌ كَمَا عُلِّلَ وَجْهُ اعْتِذَارِهِ وَسُؤَالِهِ التَّأَمُّلَ بِعَيْنِ الرِّضَا بِقَوْلِهِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَعَنَّا بِهِ (فَقَلَّمَا يَخْلُصُ) أَيْ يَنْجُو (مُصَنِّفٌ) أَيْ مُؤَلِّفٌ (مِنْ الْهَفَوَاتِ) جَمْعُ هَفْوَةٍ وَمُرَادُهُ بِهَا الْخَطَأُ (أَوْ يَنْجُو مُؤَلِّفٌ مِنْ الْعَثَرَاتِ) جَمْعُ عَثْرَةٍ بِالْمُثَلَّثَةِ وَمُرَادُهُ بِهَا السُّقُوطُ فِي تَحْرِيفِ الْأَلْفَاظِ وَيَحْتَمِلُ الْعَكْسَ وَيَحْتَمِلُ أَنَّ مَعْنَاهُمَا وَاحِدٌ وَهُوَ الزَّلَّةُ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ مَحَلُّ النِّسْيَانِ وَالْقَلْبُ يَتَقَلَّبُ فِي كُلِّ آنٍ فَرُبَّمَا تَعَلَّقَ الْقَلْبُ بِحُكْمِ أَوَامِرَ مِنْ الْأُمُورِ فَيَكْتُبُ الْإِنْسَانُ خِلَافَ مَقْصُودِهِ أَوْ أَنَّهُ يَنْسَى شَرْطًا أَوْ حُكْمًا أَوْ يَسْهُو عَنْهُ فَيَظُنُّ أَنَّ الصَّوَابَ مَا كَتَبَهُ وَالْوَاقِعُ خِلَافُهُ
أَوْ يُرِيدُ أَنْ يَكْتُبَ لَفْظَ وُجُوبٍ فَيَسْبِقُهُ الْقَلَمُ فَيَكْتُبُ لَفْظَ سُنَّةٍ أَوْ يُرِيدُ اخْتِصَارَ عِبَارَةٍ فَيَسْقُطُ مِنْهُ مَا يُخِلُّ بِالْمَعْنَى الْمُرَادِ وَقَدْ يَكُونُ الْخَطَأُ مِنْ غَيْرِهِ وَيُنْسَبُ لَهُ كَأَنْ يُخَرِّجَ عَلَى الْحَاشِيَةِ كَلِمَةً أَوْ كَلَامًا فَيُثْبِتُهَا النَّاسِخُ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهَا فَيُقَالُ: إنَّ الْمُصَنِّفَ قَدْ أَخْطَأَ مَعَ أَنَّ الَّذِي أَخْطَأَ غَيْرُهُ أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ وَبِالْجُمْلَةِ فَجَزَى اللَّهُ الْمُؤَلِّفِينَ عَنْ الْمُسْلِمِينَ أَحْسَنَ الْجَزَاءِ وَقُلْنَا مَعْنَاهَا النَّفْيُ أَيْ لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو مُؤَلِّفٌ فَمَا كَافَّةٌ لِقَلَّ عَنْ طَلَبِ الْفَاعِلِ وَحِينَئِذٍ فَتُكْتَبُ مُتَّصِلَةً بِقَلَّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
(بَابُ أَحْكَامِ الطَّهَارَةِ) (هَذَا بَابٌ يُذْكَرُ فِيهِ أَحْكَامُ الطَّهَارَةِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا)
وَهُوَ لُغَةً فُرْجَةٌ فِي سَاتِرٍ يُتَوَصَّلُ بِهَا مِنْ دَاخِلٍ إلَى خَارِجٍ وَعَكْسُهُ، وَاصْطِلَاحًا اسْمٌ لِطَائِفَةٍ مِنْ الْمَسَائِلِ الْمُشْتَرَكَةِ فِي حُكْمٍ وَالطَّهَارَةُ لُغَةً النَّظَافَةُ مِنْ الْأَوْسَاخِ الْحِسِّيَّةِ وَالْمَعْنَوِيَّةِ كَالْمَعَاصِي الظَّاهِرَةِ وَالْبَاطِنَةِ وَاصْطِلَاحًا قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ صِفَةٌ حُكْمِيَّةٌ
ـــــــــــــــــــــــــــــQفَاسِدٌ وَيُجَابُ عَنْهُ بِكَذَا فَلَا بَأْسَ بِهِ أَيْضًا فَالْمُضِرُّ تَرْكُ الْجَوَابِ مَعَ الِاعْتِرَاضِ بِكَلَامٍ شَنِيعٍ (قَوْلُهُ: عَلَى عُلُوِّ مَقَامِهِ) أَيْ مَعَ عُلُوِّ مَقَامِهِ (قَوْلُهُ: وَعَنَّا بِهِ) أَيْ وَرَضِيَ عَنَّا بِسَبَبِهِ (قَوْلُهُ: فَقَلَّمَا يَخْلُصُ إلَخْ) الْفَاءُ لِلتَّعْلِيلِ أَيْ وَإِنَّمَا اعْتَذَرْت لِذَوِي الْأَلْبَابِ مِمَّا يُظَنُّ أَنَّهُ خَلَلٌ وَاقِعٌ فِي هَذَا الْكِتَابِ أَوْ مِنْ الْخَلَلِ الَّذِي يُظَنُّ وُقُوعُهُ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ قَلَّمَا يَخْلُصُ إلَخْ أَيْ؛ لِأَنَّهُ لَا يَخْلُصُ إلَخْ فَقَلَّ لِلنَّفْيِ وَمَا كَافَّةٌ أَوْ مَصْدَرِيَّةٌ أَيْ قَلَّ خُلُوصٌ أَيْ انْتَفَى خُلُوصٌ إلَخْ أَيْ إنَّمَا اعْتَذَرْت إلَيْهِمْ؛ لِأَنِّي مُصَنِّفٌ وَكُلُّ مُصَنِّفٍ لَا يَنْجُو إلَخْ (قَوْلُهُ: أَيْ مُؤَلِّفٌ) أَشَارَ بِهَذَا إلَى أَنَّ تَعْبِيرَ الْمُؤَلِّفِ بِمُصَنِّفٍ أَوَّلًا وَبِمُؤَلِّفٍ ثَانِيًا تَفَنُّنٌ فِي التَّعْبِيرِ كَمَا أَنَّ تَعْبِيرَهُ أَوَّلًا بِيَخْلُصُ وَثَانِيًا بِيَنْجُو تَفَنُّنٌ (قَوْلُهُ: وَمُرَادُهُ بِهَا الْخَطَأُ) أَيْ فِي الْحُكْمِ (قَوْلُهُ: وَمُرَادُهُ بِهَا السُّقُوطُ) أَيْ الْوُقُوعُ فِي تَحْرِيفِ الْأَلْفَاظِ أَيْ أَنَّ مُرَادَهُ بِالْعَثْرَةِ الْخَطَأُ فِي اللَّفْظِ وَالتَّحْرِيفُ فِيهِ بِأَنْ يُسْقِطَ كَلِمَةً كَالْمُبْتَدَإِ أَوْ الْخَبَرِ أَوْ جُمْلَةً، فَقَوْلُ الشَّارِحِ فِي تَحْرِيفِ الْأَلْفَاظِ مُرَادُهُ بِتَحْرِيفِهَا إسْقَاطُ بَعْضِ الْجُمْلَةِ أَوْ إسْقَاطُ الْجُمْلَةِ بِتَمَامِهَا أَوْ إسْقَاطُ حَرْفٍ مِنْ كَلِمَةٍ (قَوْلُهُ: وَيُحْتَمَلُ الْعَكْسُ) أَيْ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ بِالْهَفَوَاتِ تَحْرِيفَ الْأَلْفَاظِ وَمُرَادُهُ بِالْعَثَرَاتِ الْخَطَأَ فِي الْأَحْكَامِ (قَوْلُهُ: وَهُوَ الزَّلَّةُ) أَيْ النَّقْصُ فَكَأَنَّهُ قَالَ: لِأَنَّهُ لَا يَنْجُو مُؤَلِّفٌ مِنْ النَّقْصِ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ نَقْصُ كَلِمَةٍ أَوْ جُمْلَةٍ أَوْ نَقْصُ حُكْمٍ بِأَنْ يَتْرُك الْحُكْمَ الصَّوَابَ وَيَأْتِيَ بِخِلَافِهِ
(قَوْلُهُ: وَذَلِكَ) أَيْ وَبَيَانُ ذَلِكَ أَيْ كَوْنُ الْمُؤَلِّفِ لَا يَخْلُصُ مِنْ الْهَفَوَاتِ وَلَا يَنْجُو مِنْ الْعَثَرَاتِ (قَوْلُهُ: أَوْ يُرِيدُ أَنْ يَكْتُبَ لَفْظَ وُجُوبٍ) أَيْ مَعَ اسْتِحْضَارِ الْقَلْبِ لِذَلِكَ (قَوْلُهُ:، وَقَدْ يَكُونُ الْخَطَأُ مِنْ غَيْرِهِ) أَيْ مِنْ غَيْرِ الْمُؤَلِّفِ وَيُنْسَبُ لِلْمُؤَلِّفِ (قَوْلُهُ: كَأَنْ يَخْرُجَ) أَيْ الْمُؤَلِّفُ أَيْ كَأَنْ يَكْتُبَ عَلَى الْحَاشِيَةِ كَلِمَةً سَاقِطَةً مِنْ الْأَصْلِ (قَوْلُهُ: أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ) عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ كَأَنْ يَخْرُجَ إلَخْ (قَوْلُهُ: وَحِينَئِذٍ فَتُكْتَبُ مُتَّصِلَةً) أَيْ وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ مَصْدَرِيَّةً فَيَجُوزُ فِيهَا الِاتِّصَالُ وَالِانْفِصَالُ وَعَلَى ذَلِكَ فَالْفَاعِلُ الْمَصْدَرُ الْمُؤَوَّلُ مِنْهَا وَمِنْ الْفِعْلِ وَحْدَهَا وَهُوَ يَخْلُصُ أَيْ قَلَّ خَلَاصُ الْمُصَنِّفِ
[بَابٌ أَحْكَامُ الطَّهَارَةِ]
ِ (قَوْلُهُ: وَهُوَ) أَيْ الْبَابُ لُغَةً وَقَوْلُهُ: فِي سَاتِرٍ أَيْ حَائِطٍ (قَوْلُهُ: مِنْ الْمَسَائِلِ) أَرَادَ بِهَا الْقَضَايَا الْمَخْصُوصَةَ الدَّالَّةَ عَلَى الْمَعَانِي الْمَخْصُوصَةِ لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّ مَدْلُولَ التَّرَاجِمِ إنَّمَا هُوَ اللَّفْظُ لَا الْمَعْنَى (قَوْلُهُ: الْمُشْتَرَكَةِ فِي حُكْمٍ) أَيْ الْمُشْتَرَكِ مَدْلُولُهَا فِي أَمْرٍ كَالْمَسَائِلِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالطَّهَارَةِ أَوْ بِالْوُضُوءِ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ فَلَيْسَ الْمُرَادُ بِالْحُكْمِ حَقِيقَتَهُ الَّذِي هُوَ ثُبُوتُ أَمْرٍ لِأَمْرٍ، وَلَوْ عَبَّرَ بِأَمْرٍ بَدَلَ حُكْمٍ كَانَ أَوْلَى وَكَأَنَّهُ أَرَادَ بِالْحُكْمِ الْكَوْنَ مُتَعَلِّقًا بِكَذَا فَالْمَسَائِلُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِفَرَائِضِ الْوُضُوءِ وَسُنَنِهِ وَفَضَائِلِهِ مَثَلًا اشْتَرَكَتْ فِي حُكْمٍ وَهُوَ كَوْنُهَا مُتَعَلِّقَةً بِالْوُضُوءِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: النَّظَافَةُ مِنْ الْأَوْسَاخِ) أَيْ الْخُلُوصُ مِنْهَا وَقَوْلُهُ: الْحِسِّيَّةِ أَيْ الْمُشَاهَدَةِ بِحَاسَّةِ الْبَصَرِ كَالطِّينِ وَالْعَذِرَةِ (قَوْلُهُ: كَالْمَعَاصِي الظَّاهِرَةِ) أَيْ مِثْلُ الزِّنَا وَالسَّرِقَةِ، وَقَوْلُهُ: وَالْبَاطِنَةِ أَيْ كَالْكِبْرِ وَالْعُجْبِ وَالرِّيَاءِ وَالسُّمْعَةِ، فَإِذَا قِيلَ: فُلَانٌ طَاهِرٌ مِنْ الْعُيُوبِ أَيْ خَالِصٌ مِنْهَا كَانَ ذَلِكَ حَقِيقَةً وَالْحَاصِلُ أَنَّ الطَّهَارَةَ عَلَى التَّحْقِيقِ كَمَا اخْتَارَهُ ابْنُ رُشْدٍ وَتَبِعَهُ الْعَلَّامَةُ الرَّصَّاعُ وَالتَّتَّائِيُّ عَلَى الْجَلَّابِ وشب وَشَيْخُنَا فِي حَاشِيَتِهِ مَوْضُوعَةٌ لِلْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ وَهُوَ الْخُلُوصُ مِنْ الْأَوْسَاخِ أَعَمُّ مِنْ كَوْنِهَا حِسِّيَّةً أَوْ مَعْنَوِيَّةً خِلَافًا لِمَا قَالَهُ ح مِنْ أَنَّهَا مَوْضُوعَةٌ لِلنَّظَافَةِ مِنْ الْأَوْسَاخِ بِقَيْدِ كَوْنِهَا حِسِّيَّةً وَأَنَّ اسْتِعْمَالَهَا فِي النَّظَافَةِ مِنْ الْأَوْسَاخِ الْمَعْنَوِيَّةِ مَجَازٌ وَيَدُلُّ لِلْأَوَّلِ قَوْله تَعَالَى {وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا} [الأحزاب: 33] وَالْمَجَازُ لَا يُؤَكِّدُ إلَّا شُذُوذًا كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْعَلَّامَةُ السَّنُوسِيُّ فِي شَرْحِ الْكُبْرَى وَغَيْرِهِ عِنْدَ قَوْله تَعَالَى {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا} [النساء: 164]