[دَرْسٌ] {بَابٌ} ذَكَرَ فِيهِ أَحْكَامَ الْعِتْقِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ يُقَالُ عَتَقَ يَعْتِقُ مِنْ بَابِ ضَرَبَ وَدَخَلَ وَهُوَ لَازِمٌ يَتَعَدَّى بِالْهَمْزَةِ فَلَا يُقَالُ عَتَقَ السَّيِّدُ عَبْدَهُ بَلْ أَعْتَقَهُ وَلَا يُقَالُ عَتَقَ الْعَبْدُ بِضَمِّ الْمُهْمَلَةِ بَلْ أُعْتِقَ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَالْعِتْقُ مَنْدُوبٌ وَهُوَ مِنْ أَعْظَمِ الْقُرَبِ وَلِذَا جُعِلَ كَفَّارَةً لِلْقَتْلِ وَكَثِيرٌ مِنْ الْفُقَهَاءِ يَذْكُرُهُ بَعْدَ رُبْعِ الْعِبَادَاتِ نَظَرًا؛ لِأَنَّهُ قُرْبَةٌ.

وَالْمُصَنِّفُ كَغَيْرِهِ ذَكَرَهُ بَعْدَ الدِّمَاءِ وَالْحُدُودِ؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ كَفَّارَةً لِلْجِنَايَاتِ إمَّا وُجُوبًا أَوْ نَدْبًا وَلِلْإِشَارَةِ إلَى أَنَّهُ يَنْبَغِي لِمَنْ وَقَعَتْ مِنْهُ جِنَايَةٌ وَتَابَ أَنْ يَعْتِقَ رَقَبَةً لِتَكُونَ لَهُ كَفَّارَةٌ كَمَا فِي الْحَدِيثِ. وَأَرْكَانُهُ ثَلَاثٌ مُعْتِقٌ بِالْكَسْرِ وَمُعْتَقٌ بِالْفَتْحِ وَصِيغَةٌ وَأَشَارَ لِلْأَوَّلِ بِقَوْلِهِ (إنَّمَا يَصِحُّ) أَيْ صِحَّةً تَامَّةً بِمَعْنَى اللُّزُومِ أَيْ إنَّمَا يَلْزَمُ (إعْتَاقُ مُكَلَّفٍ) مِنْ إضَافَةِ الْمَصْدَرِ لِفَاعِلِهِ وَيَدْخُلُ فِي الْمُكَلَّفِ السَّكْرَانُ فَيَصِحُّ عِتْقُهُ عَلَى الْمَشْهُورِ لِتَشَوُّفِ الشَّارِعِ لِلْحُرِّيَّةِ وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ يَلْزَمُ طَلَاقُهُ وَلَا تَصِحُّ هِبَتُهُ وَخَرَجَ بِالْمُكَلَّفِ الصَّبِيُّ وَالْمَجْنُونُ فَلَا يَصِحُّ عِتْقُهُمَا وَوَصْفُ الْمُكَلَّفِ بِقَوْلِهِ (بِلَا حَجْرٍ) عَلَيْهِ فِيمَا أَعْتَقَهُ فَالزَّوْجَةُ وَالْمَرِيضُ مَحْجُورٌ عَلَيْهِمَا فِيمَا زَادَ عَلَى ثُلُثِهِمَا فَيَصِحُّ عِتْقُهُمَا فِي الثُّلُثِ لَا فِيمَا زَادَ عَلَيْهِ وَلَا يَصِحُّ عِتْقُ السَّفِيهِ إلَّا لِأُمِّ وَلَدِهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ فِيهَا إلَّا الِاسْتِمْتَاعُ وَيَسِيرُ الْخِدْمَةِ (وَ) بِلَا (إحَاطَةِ دَيْنٍ) بِمَالِهِ، فَإِنْ أَحَاطَ بِهِ لَمْ يَصِحَّ عِتْقُهُ بِمَعْنَى لَمْ يَلْزَمْ كَمَا تَقَدَّمَ (وَلِغَرِيمِهِ) أَيْ غَرِيمِ مَنْ أَحَاطَ الدَّيْنُ بِمَالِهِ (رَدُّهُ) أَيْ الْعِتْقِ

ـــــــــــــــــــــــــــــQ [بَابٌ أَحْكَامَ الْعِتْقِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ]

بَابٌ فِي الْعِتْقِ) (قَوْلُهُ: إمَّا وُجُوبًا) أَيْ فِي قَتْلِ الْخَطَأِ وَقَوْلُهُ أَوْ نَدْبًا أَيْ فِي قَتْلِ الْعَمْدِ كَمَا مَرَّ (قَوْلُهُ: لِتَكُونَ لَهُ كَفَّارَةٌ) أَيْ لِمَا جَنَاهُ (قَوْلُهُ: كَمَا فِي الْحَدِيثِ) أَيْ الْوَارِدِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «مَنْ أَعْتَقَ رَقَبَةً أَعْتَقَ اللَّهُ بِكُلِّ عُضْوٍ مِنْهَا عُضْوًا مِنْ أَعْضَائِهِ مِنْ النَّارِ حَتَّى الْفَرْجَ بِالْفَرْجِ» كَذَا فِي الصَّحِيحَيْنِ (قَوْلُهُ: وَأَرْكَانُهُ) أَيْ الْعِتْقِ الَّذِي هُوَ تَحْرِيرُ مُكَلَّفٍ رَقِيقًا لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ حَقٌّ لَازِمٌ وَالْمُرَادُ بِأَرْكَانِهِ مَا تَتَوَقَّفُ عَلَيْهَا حَقِيقَتُهُ الْمَذْكُورَةُ لَا مَا كَانَ دَاخِلًا فِي مَاهِيَّتِه وَإِلَّا لَكَانَ كُلٌّ مِنْ الْمُعْتَقِ وَالْمُعْتِقِ جُزْءًا لِلْعِتْقِ وَهُوَ بَاطِلٌ إذْ لَا يُحْمَلَانِ عَلَيْهِ كَمَا يُحْمَلُ الْحَيَوَانُ وَالنَّاطِقُ عَلَى الْإِنْسَانِ (قَوْلُهُ: أَيْ إنَّمَا يَلْزَمُ إلَخْ) دَفَعَ الشَّارِحُ بِهَذَا بَحْثَ ابْنِ مَرْزُوقٍ حَيْثُ قَالَ: لَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ إنَّمَا يَلْزَمُ كَانَ أَوْلَى لِصِحَّةِ عِتْقِ بَعْضِ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِمْ إذَا أَجَازَهُ مَنْ لَهُ الْحَقُّ وَلَوْ كَانَ غَيْرَ صَحِيحٍ ابْتِدَاءً لِمَا تَمَّ اهـ قَالَ ح وَيَرِدُ عَلَى كَوْنِ يَصِحُّ بِمَعْنَى يَلْزَمُ الْكَافِرَ، فَإِنَّهُ إذَا أَعْتَقَ عَبْدَهُ الْكَافِرَ لَا يَلْزَمُهُ عِتْقُهُ مَعَ أَنَّهُ يَصْدُقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ مُكَلَّفٌ لَا حَجْرَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الصَّحِيحَ أَنَّ الْكُفَّارَ مُخَاطَبُونَ بِفُرُوعِ الشَّرِيعَةِ اُنْظُرْ بْن.

وَالْحَاصِلُ أَنَّ الَّذِي يَلْزَمُهُ عِتْقُهُ إنَّمَا هُوَ الْمُكَلَّفُ الْمُسْلِمُ الَّذِي لَا حَجْرَ عَلَيْهِ، وَأَمَّا الْكَافِرُ فَلَهُ الرُّجُوعُ فِي عِتْقِ عَبْدِهِ الْكَافِرِ إلَّا إذَا بَانَ مِنْهُ الْعَبْدُ أَوْ أَسْلَمَ أَحَدُهُمَا وَإِلَّا لَزِمَ الْعِتْقُ (قَوْلُهُ: وَيَدْخُلُ فِي الْمُكَلَّفِ السَّكْرَانُ) أَيْ بِحَرَامٍ لَا بِحَلَالٍ؛ لِأَنَّهُ كَالْمَجْنُونِ اتِّفَاقًا (قَوْلُهُ: فَيَصِحُّ عِتْقُهُ عَلَى الْمَشْهُورِ) أَيْ وَقِيلَ لَا يَصِحُّ الْخِلَافُ فِي السَّكْرَانِ الْمُخْتَلِطِ الَّذِي عِنْدَهُ ضَرْبٌ مِنْ الْعَقْلِ، وَأَمَّا الطَّافِحُ الَّذِي لَا يَعْرِفُ الْأَرْضَ مِنْ السَّمَاءِ وَلَا الرَّجُلَ مِنْ الْمَرْأَةِ فَهَذَا لَا خِلَافَ فِي أَنَّهُ كَالْمَجْنُونِ فِي جَمِيعِ أَحْوَالِهِ وَأَقْوَالِهِ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ وَفِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّاسِ إلَّا مَا ذَهَبَ وَقْتُهُ مِنْ الصَّلَوَاتِ، فَإِنَّهُ لَا يَسْقُطُ عَنْهُ بِخِلَافِ الْمَجْنُونِ كَمَا نُقِلَ ذَلِكَ ح عَنْ ابْنِ رُشْدٍ أَوَّلَ الْبُيُوعِ وَذَكَرَ ح أَيْضًا أَنَّ التَّفْصِيلَ الَّذِي فِي قَوْلِ الْقَائِلِ:

لَا يَلْزَمُ السَّكْرَانَ إقْرَارُ عُقُودٍ ... بَلْ مَا جَنَى عِتْقٌ طَلَاقٌ وَحُدُودٌ

إنَّمَا ذَكَرَهُ ابْنُ رُشْدٍ فِي السَّكْرَانِ الْمُخْتَلِطِ الَّذِي مَعَهُ ضَرْبٌ مِنْ الْعَقْلِ قَالَ وَهَذَا مَذْهَبُ مَالِكٍ وَعَامَّةِ أَصْحَابِهِ وَهُوَ أَظْهَرُ الْأَقْوَالِ وَأَوْلَاهَا بِالصَّوَابِ اُنْظُرْ بْن.

(قَوْلُهُ وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ يَلْزَمُ طَلَاقُهُ) أَيْ كَمَا يَلْزَمُهُ عِتْقُهُ وَيَلْزَمُهُ أَيْضًا الْجِنَايَاتُ وَالْحُدُودُ (قَوْلُهُ: وَلَا تَصِحُّ هِبَتُهُ) أَيْ وَكَذَا سَائِرُ عُقُودِهِ وَإِقْرَارَاتِهِ (قَوْلُهُ: وَخَرَجَ بِالْمُكَلَّفِ الصَّبِيُّ وَالْمَجْنُونُ فَلَا يَصِحُّ عِتْقُهُمَا) أَيْ فَلَوْ عَلَّقَ الصَّبِيُّ الْعِتْقَ عَلَى شَيْءٍ وَحَصَلَ الْمُعَلَّقُ عَلَيْهِ بَعْدَ بُلُوغِهِ فَلَا يَلْزَمُهُ الْعِتْقُ قَطْعًا نَظَرًا لِكَوْنِهِ حِينَ التَّعْلِيقِ غَيْرَ مُكَلَّفٍ (قَوْلُهُ: وَوَصَفَ الْمُكَلَّفَ إلَخْ) أَيْ وَحِينَئِذٍ فَالْمَعْنَى إنَّمَا يَصِحُّ إعْتَاقُ مُكَلَّفٍ مُلْتَبِسٍ بِعَدَمِ الْحَجْرِ عَلَيْهِ فِيمَا يَعْتِقُهُ فَلَوْ عَلَّقَ السَّفِيهُ الْعِتْقَ عَلَى شَيْءٍ فَحَصَلَ الْمُعَلَّقُ عَلَيْهِ وَهُوَ رَشِيدٌ فَخِلَافٌ وَالْأَظْهَرُ لَا يَلْزَمُهُ (قَوْلُهُ: فَالزَّوْجَةُ وَالْمَرِيضُ إلَخْ) أَشَارَ الشَّارِحُ بِهَذَا إلَّا أَنَّهُ لَيْسَ مُرَادُ الْمُصَنِّفِ بِقَوْلِهِ بِلَا حَجْرٍ نَفْيَ الْحَجْرِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَإِلَّا كَانَ قَوْلُهُ وَإِحَاطَةُ دَيْنٍ مُكَرَّرًا مَعَهُ؛ لِأَنَّ الْحَجْرَ أَعَمُّ مِنْ إحَاطَةِ الدَّيْنِ إذْ كُلُّ مَنْ أَحَاطَ الدَّيْنَ بِمَالِهِ فَهُوَ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ فِي التَّبَرُّعَاتِ وَيَلْزَمُ مِنْ نَفْيِ الْأَعَمِّ نَفْيُ الْأَخَصِّ، وَإِنَّمَا الْمُرَادُ نَفْيُ الْحَجْرِ الْخَاصِّ بِالسَّفِيهِ وَالزَّوْجَةِ وَالْمَرِيضِ فِيمَا زَادَ عَلَى ثُلُثِهِمَا حِينَئِذٍ فَلَا يُغْنِي قَوْلُهُ بِلَا حَجْرٍ عَنْ قَوْلِهِ وَإِحَاطَةِ دَيْنٍ.

(قَوْلُهُ: فَيَصِحُّ عِتْقُهُمَا فِي الثُّلُثِ) أَيْ يَلْزَمُ فِيهِ، وَأَمَّا فِيمَا زَادَ عَلَيْهِ فَلُزُومُهُ مُتَوَقِّفٌ عَلَى الْإِجَازَةِ، وَإِنْ كَانَ صَحِيحًا بِدُونِهَا (قَوْلُهُ: وَلَا يَصِحُّ عِتْقُ السَّفِيهِ) أَيْ لَا يَلْزَمُ، وَإِنْ كَانَ صَحِيحًا فَلَهُ إمْضَاؤُهُ إذَا رَشَدَ مَا لَمْ يَكُنْ رَدَّهُ وَلِيُّهُ قَبْلَهُ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ فِيهَا إلَخْ) أَيْ وَحِينَئِذٍ فَهُوَ غَيْرُ مَحْجُورٍ عَلَيْهِ فِي عِتْقِهَا (قَوْلُهُ: بِمَعْنَى لَمْ يَلْزَمْ) أَيْ وَإِنْ كَانَ صَحِيحًا، فَإِنْ كَانَتْ الدُّيُونُ الَّتِي اسْتَغْرَقَتْ ذِمَّتَهُ مِنْ تَبَعَاتٍ لَا يُعْلَمُ أَرْبَابُهَا بِمُضِيِّ الْعِتْقِ وَلَا يُرَدُّ وَيَكُونُ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015