فَيُحَدُّ إذَا رُفِعَ لِمَالِكِيٍّ.
وَأَمَّا الْخَمْرُ وَهُوَ الْمُتَّخَذُ مِنْ عَصِيرِ الْعِنَبِ فَيُحَدُّ فِيهِ عِنْدَهُ وَلَوْ لَمْ يُسْكِرْ بِالْفِعْلِ وَكَذَا إذَا شَرِبَ الْقَدْرَ الْمُسْكِرَ مِنْ النَّبِيذِ فَيُحَدُّ عِنْدَهُ أَيْضًا وَقِيلَ لَا حَدَّ فِيمَا لَا يُسْكِرُ مِنْهُ وَتُقْبَلُ شَهَادَتُهُ وَصَحَّحَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ (وَصَحَّحَ نَفْيَهُ) أَيْ الْحَدِّ (ثَمَانُونَ) جَلْدَةً عَلَى الْحُرِّ ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى وَهَذَا فَاعِلُ الْفِعْلِ الْمَحْذُوفِ الْمُتَعَلِّقِ بِهِ بِشَرِبَ تَقْدِيرُهُ يَجِبُ كَمَا تَقَدَّمَ تَقْدِيرُهُ (بَعْدَ صَحْوِهِ) ، فَإِنْ جُلِدَ قَبْلَهُ اعْتَدَّ بِهِ إنْ كَانَ عِنْدَهُ تَمْيِيزٌ وَإِلَّا أُعِيدَ عَلَيْهِ (وَتَشَطَّرَ بِالرِّقِّ وَإِنْ قَلَّ) الرِّقُّ بِذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى فَيُجْلَدُ أَرْبَعِينَ
ثُمَّ أَشَارَ إلَى شَرْطِ الْحَدِّ عَلَى مَنْ اجْتَمَعَتْ فِيهِ الشُّرُوطُ السَّابِقَةُ بِقَوْلِهِ (إنْ أَقَرَّ) بِالشُّرْبِ (أَوْ شَهِدَا) أَيْ شَهِدَ عَدْلَانِ (بِشُرْبٍ أَوْ شَمٍّ) لِرَائِحَتِهِ فِي فَمِهِ وَعُلِمَتْ رَائِحَتُهُ إذْ قَدْ يَعْرِفُ رَائِحَتَهَا مَنْ لَا يَشْرَبُهَا وَكَذَا لَوْ شَهِدَ عَدْلٌ بِرُؤْيَةِ الشُّرْبِ وَآخَرُ بِرَائِحَتِهَا أَوْ بتقايؤها فَيُحَدُّ، فَإِنْ رَجَعَ بَعْدَ إقْرَارِهِ وَلَوْ لِغَيْرِ شُبْهَةٍ قُبِلَ (وَإِنْ خُولِفَا) أَيْ خَالَفَهُمَا غَيْرُهُمَا مِنْ الْعُدُولِ بِأَنْ قَالَا: لَيْسَ رَائِحَتُهُ رَائِحَةَ خَمْرٍ بَلْ خَلٍّ مَثَلًا فَلَا تُعْتَبَرُ الْمُخَالَفَةُ وَيُحَدُّ؛ لِأَنَّ الْمُثْبِتَ يُقَدَّمُ عَلَى النَّافِي (وَجَازَ) شُرْبُهَا (لِإِكْرَاهٍ) عَلَى الشُّرْبِ وَأَرَادَ بِالْجَوَازِ فِي هَذَا لَازِمَهُ وَهُوَ عَدَمُ الْحَدِّ إذْ الْمُكْرَهُ غَيْرُ مُكَلَّفٍ وَلَا يُوصَفُ بِجَوَازٍ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ الْأَحْكَامِ الْخَمْسَةِ إلَّا أَفْعَالَ الْمُكَلَّفِينَ، وَالْإِكْرَاهُ يَكُونُ بِالْقَتْلِ أَوْ بِضَرْبٍ يُؤَدِّي إلَيْهِ وَكَذَا بِإِتْلَافِ عُضْوٍ مِنْ أَعْضَائِهِ أَوْ بِضَرْبٍ يُؤَدِّي إلَيْهِ أَيْ بِقَيْدٍ أَوْ سِجْنٍ شَدِيدَيْنِ عَلَى أَظْهَرِ الْقَوْلَيْنِ لِسَحْنُونٍ (وَإِسَاغَةٍ) لِغُصَّةٍ خَافَ عَلَى نَفْسِهِ الْهَلَاكَ مِنْهَا وَلَمْ يَجِدْ مَا يُزِيلُهَا بِهِ خِلَافًا لِابْنِ عَرَفَةَ فِي عَدَمِ الْجَوَازِ وَالْجَوَازُ فِي الْإِسَاغَةِ عَلَى حَقِيقَتِهِ، وَالْمُرَادُ بِهِ نَفْيُ الْحُرْمَةِ الصَّادِقَةِ بِالْوُجُوبِ (لَا) يَجُوزُ اسْتِعْمَالُ الْخَمْرِ لِأَجْلِ (دَوَاءٍ) وَلَوْ لِخَوْفِ الْمَوْتِ
ـــــــــــــــــــــــــــــQصَغِيرَةٌ فَلَا يُوجِبُ حَدًّا وَلَا تُرَدُّ بِهِ الشَّهَادَةُ وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا إثْمَ فِي شُرْبِهِ بَلْ هُوَ جَائِزٌ فَلَا حَدَّ فِيهِ وَلَا تُرَدُّ بِهِ الشَّهَادَةُ، فَإِذَا كَانَ لَا يُسْكِرُ الشَّخْصَ إلَّا أَرْبَعَةُ أَقْدَاحٍ فَلَا يَحْرُمُ عِنْدَهُ إلَّا الْقَدَحُ الرَّابِعُ وَقَيَّدَ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ الْجَوَازَ بِمَا إذَا كَانَ الشُّرْبُ لِلتَّقَوِّي عَلَى الْجِهَادِ وَنَحْوِهِ لَا لِمُجَرَّدِ اللَّهْوِ (قَوْلُهُ: فَيُحَدُّ إذَا رُفِعَ لِمَالِكِيٍّ) وَذَلِكَ لِضَعْفِ مُدْرِكِ حِلِّهِ (قَوْلُهُ فَيُحَدُّ فِيهِ عِنْدَهُ) أَيْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَوْلُهُ أَيْضًا أَيْ كَمَا أَنَّهُ يُحَدُّ عِنْدَنَا (قَوْلُهُ: وَقِيلَ لَا حَدَّ إلَخْ) أَيْ عِنْدَنَا وَإِنْ كَانَ حَرَامًا فَهَذَا الْقَوْلُ عِنْدَنَا مُوَافِقٌ لِمَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ (قَوْلُهُ: عَلَى الْحُرِّ) أَيْ الْمُسْلِمِ الْمُكَلَّفِ كَمَا مَرَّ وَظَاهِرُ الْمُصَنِّفِ كَظَاهِرِ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّهُ لَا يُزَادُ مَعَ الْحَدِّ سِجْنٌ وَلَا غَيْرُهُ كَحَلْقِ رَأْسٍ أَوْ لِحْيَةٍ أَوْ طَوَافٍ بِهِ فِي السُّوقِ ابْنُ نَاجِيٍّ وَبِهِ الْعَمَلُ وَفِي ابْنِ عَرَفَةَ عَنْ ابْنِ حَبِيبٍ أَنَّهُ لَا يُزَادُ مَعَ الضَّرْبِ غَيْرُهُ إلَّا الْمُدْمِنُ الْمُعْتَادُ الْمَشْهُورُ بِالْفِسْقِ فَلَا بَأْسَ أَنْ يُنَادَى بِهِ وَيُشْهَرَ وَاسْتَحَبَّ مَالِكٌ أَنْ يُلْزَمَ السِّجْنَ اهـ (قَوْلُهُ: وَإِلَّا أُعِيدَ عَلَيْهِ) أَيْ الْحَدُّ مِنْ أَوَّلِهِ، وَهَذَا إذَا لَمْ يَحْصُلْ لَهُ إحْسَاسٌ حَالَ الضَّرْبِ أَصْلًا، وَأَمَّا إنْ لَمْ يَحُسَّ فِي أَوَّلِهِ وَأَحَسَّ فِي أَثْنَائِهِ حُسِبَ لَهُ مِنْ أَوَّلِ مَا أَحَسَّ كَذَا قَالَ اللَّخْمِيُّ وَنَحْوُهُ لِأَبِي الْحَسَنِ وَظَاهِرُ التَّوْضِيحِ أَنَّ تَفْصِيلَ اللَّخْمِيِّ تَقْيِيدٌ لِلْمَذْهَبِ لَا أَنَّهُ مُقَابِلٌ لَهُ كَمَا قَالَ بَعْضُهُمْ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ عِبَارَاتِ أَهْلِ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ إنْ حُدَّ طَافِحًا أُعِيدَ عَلَيْهِ الْحَدُّ فَظَاهِرُهَا الْإِطْلَاقُ فَقَيَّدَهَا اللَّخْمِيُّ بِمَا إذَا لَمْ يَحْصُلْ إحْسَاسٌ حَالَ الضَّرْبِ أَصْلًا (قَوْلُهُ وَتَشْطُرُ) أَيْ حَدَّ الشُّرْبِ (قَوْلُهُ: وَإِنْ قَلَّ الرِّقُّ بِذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى) أَيْ فَحَدُّ الرَّقِيقِ فِي الشُّرْبِ أَرْبَعُونَ جَلْدَةً سَوَاءٌ كَانَ ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى
(قَوْلُهُ: إذْ قَدْ يَعْرِفُ إلَخْ) جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ: إنَّهُ لَا يَعْرِفُ رَائِحَتَهَا إلَّا مَنْ شَرِبَهَا وَمَنْ شَرِبَهَا لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ فِيهَا؛ لِأَنَّهُ إنْ لَمْ يَتُبْ كَانَ فَاسِقًا وَإِنْ تَابَ وَحُدَّ فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ فِيمَا حُدَّ فِيهِ وَحَاصِلُ الْجَوَابِ أَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ لَا يَعْرِفُ رَائِحَتَهَا إلَّا مَنْ شَرِبَهَا بَلْ قَدْ يَعْرِفُ رَائِحَتَهَا مَنْ لَمْ يَكُنْ شَرِبَهَا فَقَطْ كَمَنْ رَآهَا مُرَاقَةً مَعَ عِلْمِهِ بِهَا أَوْ رَأَى إنْسَانًا يَشْرَبُهَا مَعَ عِلْمِهِ بِهَا فَشَمَّ رَائِحَتَهَا وَعَلِمَهَا.
(قَوْلُهُ: وَإِنْ خُولِفَا) أَيْ وَكَذَا إنْ خَالَفَهُمَا الشَّارِبُ وَلَوْ حَلَفَ بِالطَّلَاقِ مَا شَرِبَهَا فَيُحَدُّ وَلَا طَلَاقَ عَلَيْهِ إنْ حَلَفَ بِاَللَّهِ أَنَّهُ مَا حَلَفَ بِالطَّلَاقِ كَاذِبًا (قَوْلُهُ: أَيْ خَالَفَهُمَا غَيْرُهُمَا مِنْ الْعُدُولِ) أَيْ فِيمَا شَرِبَهُ بِأَنْ قَالَا: شَرِبَ خَلًّا لَا خَمْرًا أَوْ فِي رَائِحَةِ فَمِهِ بِأَنْ قَالَا: رَائِحَتُهُ رَائِحَةُ خَلٍّ لَا خَمْرٍ فَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَإِنْ خُولِفَا رَاجِعٌ لِكُلٍّ مِنْ الْمَسْأَلَتَيْنِ قَبْلَهُ أَعْنِي الشَّهَادَةَ بِالشُّرْبِ وَالشَّهَادَةَ بِالرَّائِحَةِ لَا لِلثَّانِيَةِ فَقَطْ كَمَا يُوهِمُهُ كَلَامُ الشَّارِحِ (قَوْلُهُ: وَأَرَادَ بِالْجَوَازِ فِي هَذَا لَازِمَهُ وَهُوَ عَدَمُ الْحَدِّ) أَيْ فَكَأَنَّهُ قَالَ: لَا حَدَّ فِي إكْرَاهٍ فَعَبَّرَ بِالْمَلْزُومِ وَهُوَ جَوَازُ الشُّرْبِ وَأَرَادَ لَازِمَهُ وَهُوَ عَدَمُ الْحَدِّ (قَوْلُهُ: وَالْإِكْرَاهُ يَكُونُ بِالْقَتْلِ) أَيْ بِخَوْفِهِ وَخَوْفِ مَا بَعْدَهُ وَالْمُرَادُ بِالْخَوْفِ مِمَّا ذَكَرَ ظَنُّ حُصُولِهِ أَوْ الْجَزْمُ بِهِ (قَوْلُهُ: وَإِسَاغَةٍ لِغُصَّةٍ) إنَّمَا جَازَ شُرْبُ الْخَمْرِ لِذَلِكَ وَلَمْ يَجُزْ شُرْبُهُ لِخَوْفِ مَوْتٍ بِجُوعٍ أَوْ عَطَشٍ لِزَوَالِ الْغُصَّةِ بِالْخَمْرِ تَحْقِيقًا أَوْ ظَنًّا قَوِيًّا بِخِلَافِ الْجُوعِ وَالْعَطَشِ، فَإِنَّهُمَا لَا يُزَالَانِ بِهِ بَلْ يَزِيدَانِ لِمَا فِي طَبْعِهِ مِنْ الْحَرَارَةِ وَالْهَضْمِ (قَوْلُهُ: فِي عَدَمِ الْجَوَازِ) أَيْ وَإِنْ كَانَ لَا حَدَّ عِنْدَهُ أَيْضًا (قَوْلُهُ: الصَّادِقُ بِالْوُجُوبِ) أَيْ لِأَنَّ إسَاغَةَ الْغُصَّةِ بِالْخَمْرِ وَاجِبَةٌ إذَا خَافَ عَلَى نَفْسِهِ الْهَلَاكَ وَلَمْ يَجِدْ غَيْرَهُ وَاعْلَمْ أَنَّهُ تَقَدَّمَ الْإِسَاغَةُ بِالنَّجَسِ عَلَى الْإِسَاغَةِ بِالْخَمْرِ لِحُرْمَةِ اسْتِعْمَالِهِ دَوَاءً لِلضَّرُورَةِ وَحُدَّ شَارِبُهُ بِخِلَافِ النَّجَسِ فِيهِمَا (قَوْلُهُ: لَا يَجُوزُ اسْتِعْمَالُ الْخَمْرِ لِأَجْلِ دَوَاءٍ وَلَوْ لِخَوْفِ الْمَوْتِ) أَيْ فَإِنْ وَقَعَ وَنَزَلَ وَتَدَاوَى بِهِ شُرْبًا حُدَّ ابْنُ الْعَرَبِيِّ تَرَدَّدَ عُلَمَاؤُنَا فِي دَوَاءٍ فِيهِ خَمْرٌ وَالصَّحِيحُ الْمَنْعُ وَالْحَدُّ اهـ وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ الْحَدِّ